يوم الاثنين الموافق
06/05/2024
الصفحة الرئيسية اجعلنا صفحة البداية اضفنا للمفضلة





























01/11/2013 - 11:48:47 am
إبنُ العتّال بقلم جاسر الياس داود
موقع عبلين اون لاين

إبنُ العتّال
( ربّي سألتُكَ أنِرْ بصيرتي وألهِمني الحكمة)
جاسر الياس داود

يقف على الرصيف بانتظار تغيّر أو تبدّل إشارة المرور للمشاة، كي يعبر الشارع إلى الجهة الأخرى ، وإذ بشخصٍ لا يعرفه، يقترب ويطلب منه أن يوصل غلافاً لا يعرف محتواه إلى شخص يقف في الجهة المقابلة على الرصيف الآخر.
يوافق على طلب الشخص، يحمل بيده الغلاف، ويمرّ على ممرّ المشاة، ويُسلّم الشخص الغلاف، فينقضّ عليه هذا الشخص، ويساعده آخرون يرتدون اللباس العادي خرجوا من مكان قريب إلى ممر المشاة.
قيّدوه بيديه بالأصفاد وهو لا يدري ما يجري له وما يدور حوله. يقتاده الرجال إلى مركز الشرطة للتحقيق معه، يجلس على المقعد في غرفة شبه مظلمة، ينظر إلى هنا وهناك وهو يرتجف من الخوف، رجلاه لا تتوقّف عن الإرتجاف بسرعة، ودقات قلبه تزداد كلّما سمع صوتاً قريباً من الغرفة، الخوف يسيطر عليه ولا يمنحه التركيز بحاله.
وبعد وقت قصير، يدخل شخص بلباس مدني ويستجوبه حول الغلاف الذي سلّمه للشخص الواقف على الرصيف بالجهة المقابلة، فيردّ على أسئلته ودقات قلبه السريعة لا تتوقّف من الخوف، بل تتسارع بوتيرة تلو وتيرة، والشخص المحقّق معه يحاول التهدئة من روعه، ولكنّه لا ينجح بهذا، بل يأخذ الفتى بالبكاء بين الفينة والأخرى.
تقوم الشرطة بالاتّصال بأهله، وتعلمهم بأنّ ابنهم موقوف أو معتقل في محطة الشرطة بمنطقة كذا. يذهب الوالد والوالدة إلى هناك للاستفسار عن سبب اعتقاله، فيُصابا بصدمةٍ قويّةٍ عند سماعهما التهمة الموجّهة لابنها، ولا يصدّقان ما يسمعاه من المحقّق.
يعود الوالدان إلى البيت، وهما لا يدريان ما العمل لإخراج ابنهما من هذه الورطة، فيحضر الجار ويستفسر عن القصّة، فلا يُصدّق ما يسمع من أقوال الوالد، لأنّه يعرف التربية التي يمنحها الجار وزوجته لأولادهما، يعملان كلّ ما بوسعهما من أجل تنشئتهم تنشئة خيّرة وبنّاءة لمستقبلٍ يضمن لهم العيش بسيرة حسنة وحياة كريمة.
يهبّ الجار بعد سماعه لقصة اعتقال ابن الجار، ويُسرع خارجاً مُتّجهاً إلى ابن أخيه المحامي، ويوكله على حسابه الخاص، كي يُدافع عن ابن جاره الفتى ويُخرجه من السجن وينقذه من الورطة التي وقع فيها.
وافق المحامي، ومن ثمّ يعود الجار إلى بيت والد الفتى، ويبلغه بما تمَّ بينه وبين ابن أخيه المحامي، وبالغد صباحاً سيتواجدون مع المحامي في المحكمة لمحاولة إطلاق سراح الفتى.
يدخلون إلى قاعة المحكمة، فيُصاب الوالد بدوار شديد عند مشاهدته ابنه وهو مكبّل اليديْن والخوف بادٍ عليه، فيجلس على المقعد، ويأخذ الجار والمحامي بتهدئته.
ينظر القاضي إلى الوالد ومن ثمّ الى الولد، ويُوجّه سؤاله للفتى: ما اسمك ؟
حسن، يا سعادة القاضي.
ماذا تعمل؟
طالب بالصف الحادي عشر علمي.
أنت طالب وتتاجر بالمخدّرات؟!!!
لالالا، أنا طالب بالمدرسة ومواظب ومنكبّ على الدراسة.
وقف الوالد وصاح: لا يا سعادة القاضي، أنا ربّيت أولادي على مخافة الله، وسالت الدموع من عينيه وهو يتكلّم إلى القاضي، فبادره القاضي بسؤالٍ: ماذا تعمل أنتَ؟
أعمل عتّالٌ في المينا، بَشقى عشان أجمع القليل من المال، عشان أستر أمور عيلتي المعيشيّة وأربّيهم التربية الحسنة. وهنا دار الحديث بين الشرطة ومحامي الفتى من جهة وبين القاضي من الجهة الأخرى. وبعد النقاش وموقف الشرطة المُطالِبَة بسجن الفتى لعدّة سنوات، أخرَجَ المحامي شهادات الفتى في المرحلة الثانويّة،
ووجّهَ سؤالاً للقاضي: سعادة القاضي، طالبٌ مثله بهذا الاجتهاد والتحصيل العلمي، هل يمكن أن يُدمّر مستقبله، ويتّجه للمتاجرة بالمُحرّمات ومنها المخدّرات؟!!!
نظر القاضي إلى شهادات الطالب الفتى، ونظر الى الفتى، ثمّ عاد ونظر إلى الشهادات، ثمّ سأل الفتى: ماذا تعلّمك هذه المشكلة؟
لن أقوم بأخذ أيّ شيء من أيّ شخص بعد هذا اليوم، أجاب الفتى.
دار النقاش بين القاضي والشرطة حول العقاب، وفي النهاية قرّر القاضي تغريم الفتى بمبلغ معيّن آخذاً بالحسبان عمل الوالد الشاق ودخله، ثمّ سأل القاضي الوالد: كم عدد أبناءكَ؟
ثلاثة أولاد وبنتان، كلّهم يتعلّمون بالمدارس وهذا أكبرهم.
ثمّ نطق القاضي بقراره القاضي بتغريم الفتى ووضعه تحت المراقبة من قِبَل دائرة الرفاه الاجتماعي ببلدته والشرطة لمدّة سنة.
تمرّ السنون، وفي يوم من الأيام يدخل الحاجب إلى قاعة المحكمة، حيث كان القاضي يقوم بفحص الشكاوى والملفّات المختلفة،
  ويبلغه بأنّ هناك شخص يريد مقابلته، فيطلب القاضي من الحاجب إدخاله، فيُعلمه الحاجب بأنّ الشخص يريد مقابلته بمكتبه بالمحكمة لا بالقاعة.
وافق القاضي، وطلب من الحاجب أن يُبلغ الشخص هذا بالانتظار حتى ينتهي من التحقيق والفحص والاطّلاع والبثّ بالملفات التي أمامه.
بعد الانتهاء من البثّ بالملفات، يطلب القاضي من الحاجب إدخال الشخص إلى مكتبه. يدخل شاب أنيق يرتدي الملابس الجميلة مع ربطة العنق البيضاء، ويصافح القاضي ويجلس على الكرسي. فيبادره القاضي بسؤاله: نعم، ماذا تريد منّي؟
إبتسم الشخص أو الشاب وأجاب: أنا لا أريد منك شيئاً يا سعادة القاضي، هل تعرفني؟
إستغرب القاضي من سؤال الشاب هذا، وتفحّص وجهه بشكل دقيق، وأجاب:  يحصل لي الشرف التعرّف عليك الآن.
عادت ابتسامة الشاب مرّة أخرى، وقال: أنا أريد أن أعيد بذاكرتك إلى ما يزيد على العشرين عام إلى الوراء. أتذكر يا سعادة القاضي عندما أحضرت الشرطة أمامك فتى بالصف الحادي عشر بتهمة المتاجرة بالمخدّرات؟
فتح القاضي عينيه مُتفحّصاً وجه الشاب وقال: أنت هو؟!!!
نعم، أجاب الشاب. جئتُ اليوم إلى مكتبك لأدعوك شخصياً لحضور حفل ترقيتي لوظيفة نائب مدير قسم بالمستشفى.
لم يصدّق القاضي ما تسمعه أذناه، فوقف وتوجّه نحو الشاب وعانقه بحرارة، وقال: الحمد لله يا ربّي لأنّك نوّرتَ عقلي وبصيرتي،  ولم أحكم عليه بالسجن آنذاك، ها هو يساعد المرضى لشفائهم، ثمّ قال للطبيب: سأحضر أنا وزوجتي وشخص آخر كي يتعلّم من هذا درساً طول أيام حياته.
ترك الطبيب الشاب مكتب القاضي وهو يفكّر بقول القاضي: سأحضر شخصاً آخر، وتساءل: مَنْ يا تُرى يكون هذا الشخص الآخر؟!!!
 وأمّا القاضي فجلس على مكتبه مبتسماً، ودوّن في يوميّاته الخاصّة والشخصيّة: شكراً لكَ يا ربّي على هذه الهديّة الثمينة التي منحتني إيّاها.
الأربعاء المبارك 9/10/2013م - عبلين


 



تعليقات        (اضف تعليق)

* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مسؤولية التعقيب تقع على عاتق المعقبين انفسهم فقط
يمنع ادخال اي مضامين فيها اي تجاوز على قانون منع القذف والتشهير او اي قانون آخر
فيديو عبلين |  اخبار عبلين |  دليل عبلين |  عن عبلين |  العاب اونلاين |  للنشر والاعلان |  من نحن |  اتصل بنا | 
Online Users
Copyright © ibillin.com 2007-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع عبلين اون لاين
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com