يوم السبت الموافق
04/05/2024
الصفحة الرئيسية اجعلنا صفحة البداية اضفنا للمفضلة





























2009-08-20 04:00:00
رهين الكلمات --دعوة إلى "الانخراس
[إلى زميلي وصديقي، أخي العزيز نبيل محمّد الصالح. بفضله، بفضل أفكاره العميقة والطريفة والرافضة المتمرّدة، جاءت هذه الكلمات]

 

 

يولد المرء رهينًا لكلماته المنطوقة: يخصَّص له مقدار معيّن محدَّد سلفًا من الكلمات  لا ينبغي له أن يتجاوزه نطقًا؛ وإنْ تخطّاه، ارتحل عن دنيانا!!!

            تلك حالة متخيَّلة تمنّاها، على مسمع منّي، زميلٌ صديقٌ صَدوقٌ (يحمل اسمه الثنائيّ -كما في مسلكيّاته- دلالات النبل والصلاح جليّةً)، فشاركتُه التمنّي.

            الحالة المتمنّاة هنا تُخالفُ ما يتمنّاه بنو آدم غالبًا. أنت هنا محكوم بالهلاك إن تكلّمتَ فوق المخصّص لك. بينما ابن آدم، في الغالب، وفي المعتاد، يموت إن لم يتكلّم.

أهي دعوة إلى "الانخراس"؟

            لست أراها كذلك. أراها دعوة إلى الاختزال. دعوة إلى الرفق بسامعينا. هؤلاء (سامعونا) لا ينبغي أن يعانوا من ذبذباتنا الصوتيّة.

            لو تحقّقت أمنيتك، صديقي العزيز، لصار للكلمة المنطوقة قيمة. قيمة حقيقيّة.

لو تحقّقتْ، لانخفضَ منسوبُ غضبنا؛ فأكثرُ غضبنا وليدُ الكلام الزائد (ملطَّـفةٌ ملطِّـفةٌ هنا هذه المفردةُ -"الزائد"!).

لو تحقّقتْ، لَبَحثْنا عن تعويض؛ ولكان بعضنا (أقول: "بعضنا" لأنّي لست كامل التفاؤل) قد وجدوه: في الاستماع إلى الموسيقا وإلى الغناء؛ في الاستماع إلى موسيقا الطبيعة وغنائها؛ في الاستماع إلى أصوات ضمائرنا، إلى موسيقانا الذاتيّة القادمة من داخلنا؛ في تناول ما تجود به حقول العقول عَبْرَ "خير الجلساء" (وَ "الاكتشاف" -كما تعرفون- هو للرائع دومًا أبي الطيّب المتنبّي: ..."وخيرُ جليسٍ في الزمان كتابُ").

لو تحقّقتْ، لارتحنا من كثير من الخُطَب المفروضة علينا؛ لانكمش عابدو المنابر عددًا ومسلكًا؛ لتحوّلت اجتماعاتُنا إلى "ما قلَّ ودلَّ"، بل إلى "ما نَدرَ ودَرَّ".

لو تحقّقتْ، لارتحنا من قَيْء ما تتدفّق به "إذاعاتنا"، حيث إذاعةٌ وما من مذيع!

لكن، إضافة إلى كلّ هذا وذاك وذلك، لديّ ما أخشاه، ولديّ ما أتمنّاه:

ما أخشاه، والصمت سوط يخنق الصوت، أن يبحث بعضنا أو يخترعوا مصادرَ إزعاجيّةً "تُعوّض" عمّا كان "مقدَّرًا" لهم أن يقوموا هم به. ذاك من شأنه أن يحرمنا التنعّمَ بنعمة الصمت البشريّ.

ما أتمنّاه، بعد كلّ ما سُقْتُه أعلاه، أن تطبَّق هذه الحالة /الأمنية على الكلمة المكتوبة؛ فهناك -وعلى وجه الخصوص في الصحف والمجلاّت- المتحدّثون كثرة، والـمُتْـقِنون ندرة. الكثير الكثير ممّا في صحفنا كلام هو. مجرّد كلام. لا يثري فكرًا، ولا يُشبع شعورًا، ولا يُشيع في النفس ابتهاجًا. أين أنتِ، يا بلاغة الصمت؟!

سألوذ بالصمت! فيه قد أعثر -حين ألوذ- على مَلاذٍ ومَلذّة

 


تعليقات        (اضف تعليق)

* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مسؤولية التعقيب تقع على عاتق المعقبين انفسهم فقط
يمنع ادخال اي مضامين فيها اي تجاوز على قانون منع القذف والتشهير او اي قانون آخر
فيديو عبلين |  اخبار عبلين |  دليل عبلين |  عن عبلين |  العاب اونلاين |  للنشر والاعلان |  من نحن |  اتصل بنا | 
Online Users
Copyright © ibillin.com 2007-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع عبلين اون لاين
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com