يوم الثلاثاء الموافق
07/05/2024
الصفحة الرئيسية اجعلنا صفحة البداية اضفنا للمفضلة





























16/12/2012 - 11:12:05 am
عيد الاربعاء - مرايا جبرا ابراهيم جبرا عند سمير فوزي حاج
موقع عبلين أون لاين

مرفق مقالة (ورابط المقالة) نقدية للشاعر الفلسطيني أحمد دحبور في كتاب الأول للدكتور والمحامي سمير فوزي حاج  عن الكاتب الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا الذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر-بيروت،عام 2005، تحت عنوان (مرايا جبرا إبراهيم جبرا والفن الروائي) وكتب مقدّمته الناقد العراقي الدكتور عبد الواحد لؤلؤة .
المقالة في الذكرى الثامنة عشرة لرحيل الكاتب/الشاعر/المترجم/الفنان  الفلسطيني التلحميّ(ابن بيت لحم) جبرا إبراهيم جبرا الذي توفي ودفن في العراق(بغداد)ب 12/12/1994.
نشرت المقالة الشاملة والتحليلية قبل يومين في صحيفة (الحياة الجديدة) و (وكالة فلسطين برس)بتاريخ 12/12/12.
يشار أنّه صدر للدكتور والمحامي سمير فوزي حاج  هذا العام 2012 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر-بيروت دراسة شاملة في أدب جبرا بعنوان:بئر الحداثة:الموسيقى والرمز في أدب جبرا إبراهيم جبرا، وقد كتب مقدمة الكتاب الناقد والباحث الفلسطيني المقيم في كندا الدكتور عيسى بلّاطه.
اليكم المقاله:

ها نحن اولاء نشهد الذكرى السابعة والثلاثين لرحيل كاتبنا الموسوعي الفلسطيني جبرا ابراهيم جبرا، وامامي الآن بالمصادفة، كتاب لسمير فوزي حاج «مرايا جبرا ابراهيم جبرا والفن الروائي». ولما كنت لا اعرف عن هذا الكاتب، او بالاحرى انه لم يعط عن نفسه معلومات كافية، فانني اكتفي بالاشارة الى انه كاتب فلسطيني له كتاب بعنوان «يافا بيارة العطر والشعر» الى جانب هذا الكتاب الذي في يدي حول جبرا. ودعوني أعوض عن ذلك بمعلوماتي عن استاذنا الكبير جبرا المولود في بيت لحم عام 1920، والذي درس في وطنه فلسطين وفي بريطانيا، وعاش بعد النكبة في العراق مدرسا للادب الانكليزي ثم موظفا في شركة نفط العراق، وتزوج هناك من لميعة العسكري وانجبا ولدين هما سدير وياسر. وعمل هذا الحاصل على ماجستير في الادب الانكليزي مع دراسة متخصصة من جامعة هارفارد الامريكية بدراسة النقد الادبي، في مختلف اشكال الابداع حتى اصبح مرجعا يعاد اليه في النقد والفن التشكيلي، والثقافة بشكل عام، حتى وافته المنية في بغداد يوم الاحد 11/12/1994.
كتب جبرا عددا من الروايات، بعضها بالانكليزية واعادها هو الى العربية او قام ببعض الترجمة تلميذه د. محمد عصفور، وبيان روايات جبرا كالتالي: «صراخ في ليل طويل - صيادون في شارع ضيق - السفينة - البحث عن وليد مسعود - الغرف الاخرى - يوميات سراب عفان» اضافة الى رواية عالم بلا خرائط التي كتبها بالاشتراك مع عبد الرحمن منيف، وله مجموعة قصصية واحدة بعنوان «عرق».
ووضع جوانب من سيرته الذاتية في كتابين هما «البئر الاولى» و «شارع الاميرات». وله ثلاث مجموعات شعرية على النظام النثري الحر، هي «تموز في المدينة - المدار المغلق - لوعة الشمس» ثم اصدر «سبع قصائد».
وكتب في الدراما سيناريو «الملك الشمس» عن نبوخد نصر. وسيناريو «ايام العقاب» بضم العين، عن معركة اليرموك بقياة خالد بن الوليد. ووضع حوار فيلم عمر المختار للمخرج السوري الراحل مصطفى العقاد، الذي قام ببطولته النجم العالمي انطوني كوين.
ويرى بعض قراء جبرا ان اهميته الثقافية تجلت في كتبه النقدية، سواء أكان ذلك في ميدان الادب ام الفن التشكيلي، وهذه الكتب هي «الحرية والطوفان - الفن في العراق اليوم - الرحلة الثامنة - الفن العراقي - المعاصر - جواد سليم ونصب الحرية - النار والجوهر - ينابيع الرؤيا - الفن والحلم والفعل - جذور الفن العراقي» وله زهاء سبعة كتب مطبوعة في موضوعات وقضايا مختلفة.
كما انه نقل الى العربية نحو ثلاثين كتابا عن اللغة الانكليزية، منها بعض اعمال شكسبير، ورواية الصخب والعنف لوليم فولكنر، وحكايات لافونتين. كما توجد له مخطوطات لم تطبع بعد، بينها مجموعة بعنوان «قصائد بعضها لليل وبعضها للنهار».
وغني عن القول ان ثمة بضعة عشر كتابا لنقاد ودارسين عرب حول ابداع جبرا ابراهيم جبرا، وبين هذه الكتب هذا الذي امامي من تأليف سمير فوزي حاج.. ولا اظن انني تمكنت بهذا الاختزال من تقديم فكرة كافية عن اتساع افق هذا المبدع الفلسطيني الكبير.
مرايا جبرا
يقع كتاب سمير فوزي حاج هذا، في مئتي صفحة من القطع الكبير، ويتضمن الى جانب المصادر والمراجع حواراً هاماً فريداً مع يوسف ابراهيم جبرا، شقيق جبرا الأكبر حول حياته وثقافته ومكوناته المعرفية، اما المرايا التي يقصدها المؤلف المجتهد فقد شرحها الناقد د. عبد الواحد لؤلؤة وهو من اصدقاء جبرا المعروفين، وفي هذه المقدمة التي وضعها لهذا الكتاب يقول: «ان الخرزات الملونة - او المرايا - في روايات جبرا هي الشخصيات ذات الالوان المختلفة طبيعة وثقافة، تتغير زاوية النظر الى هذه الشخصيات بتغير الناظر اليها» ويفيد د. لؤلؤة في هذه المقاربة مما يسمى بالمشكال، وهو اسطوانة زجاجية تتخللها مرايا متعاكسة توفر مستويات بصرية مدهشة في انعكاسات بعضها على بعض وتأثرها بالضوء. وهي مقاربة اعتمدها سمير فوزي حاج في دراسته هذه التي تتضمن مراجعات ذكية لاربع من روايات جبرا، هي - على التوالي حسب الكتاب هذا، لا حسب تاريخ صدورها - السفينة - صيادون في شارع ضيق - البحث عن وليد مسعود - البئر الاولى مع ان البئر الاولى هي شطر من السيرة الذاتية الا ان جبرا قدمها برشاقة واناقة سمحتا لبعض النقاد ان يتعاملوا معها ومع شارع الاميرات، بوصفهما رواية متصلة.
وقد بذل الناقد سمير حاج جهدا مشكورا في توضيح ما يرمي اليه من مصطلحات مأخوذ بها في علم الجمال الروائي او السردي، فكان الكتاب، الى جانب الاجتهاد في التحليل واستخلاص النتائج، ذا دور مدرسي يفيد الباحثين في مقاربات شبيهة، فهو يبدأ بتعريف المصطلح النقدي ثم لا يلبث ان يضعه في سياقه من الكتاب وتطبيقه على اعمال جبرا التي يدرسها.
عن ذلك مثلا مصطلح الزمكانية الذي يشرح الناقد انه مفهوم في منهج ميخائيل باختين قائل باستحالة الفصل بين المكان والزمان في العمل الادبي، وعلى مستوى التطبيق يقول انه في رواية «السفينة» تشابك بين تاريخ المكان وجغرافيته كما يتضح ذلك في وعي وديع عساف احد اهم ابطال الرواية، ثم انه يتابع هذا التداخل في الزمان والمكان وصولا الى مفارقة لافتة هي ان «السفينة» عنوان بحري ولكن حركة الشخصيات عليها تتم كما لو انهم في البر، وما ذلك الا لان الزمان الذي يشغل الشخصيات ملتحم بالمكان الذي يتجاوز صفته البرية او البحرية ليكون مكان هؤلاء الفلسطينيين البعيدين عمليا عن البر والبحر معاً، بمعنى انهم مقتلعون من الوطن، وان عليهم مواصلة الرحلة، على طريقة كل منهم، للوصول الى صخرة الخلاص.
قد لا يرضى سمير فوزي حاج بتلخيصي فكرته على هذا النحو، ولكن عزائي في اتفاقي معه على ان الشخصيات الروائية اشبه بمرايا المشكال، تعرض ما يواجهها بأشكال مختلفة.
السرد اللغوي
انا ملزم، لاسباب تتعلق بالامانة الموضوعية، بالتنبيه المسبق الى ان هذه القراءة لا تغني بحال من الاحوال عن كتاب سمير فوزي حاج، لما في هذا الكتاب من تفاصيل واسترسالات في متابعة الشروط الفنية التي ستكون صعبة على القارئ المتصفح، فكان لا بد لي من أن افكك النص قدر الامكان لتسهيل وصول الفكرة مع الاحتفاظ بحق المؤلف في قراءته الفريدة لجبرا.
بعد هذا الاحتراز، اتابع خطة الكاتب في تناول تجربة جبرا ابراهيم جبرا من زاوية السرد اللغوي ثم من الزوايا التي سيشار اليها في حينها لتسهيل المتابعة سأستخدم كلمة «الناقد» معبرا عن سمير فوزي حاج مؤلف الكتاب، وكلمة «الكاتب» معبرا عن استاذنا جبرا ابراهيم جبرا.. اذ ينتبه الناقد الى ان رواية السفينة، تسير وفق اربعة اصوات، صوت عصام السلمان الذي شغل خمسة فصول، وصوت وديع عساف، اربعة فصول، وصوت واحد لإميليا فرنيزي، وأوراق فالح عبد الحسيب التي اعتبرها الناقد صوتاً رابعاً.. وهي رواية دورية حيث «تبدأ كل شخصية بالسرد حين تكون الاحداث قد اكتملت وختمت دورتها» وهي رواية تدور حول الارض والتعلق بالجذور. فعصام السلمان مهندس عراقي يحاول الهرب من حبه، اذ سبق لوالده ان قتل عم لمى، الفتاة التي يحبها. ووديع عساف فلسطيني مقدسي تلح عليه ذكرى سقوط مدينته واستشهاد صديقه فايز، وقد لجأ وديع الى الكويت حيث توفيت زوجه عندما كان في الثالثة والاربعين ولم يتزوج بعدها.. اما اميليا فرنيزي فهي ايطالية مطلقة من اللبناني ميشال اسعد. وقد وقعت في حب فالح عبد الحسيب وبعد ذلك حب عصام السلمان وهي «انسانة جميلة مثقفة، ذكية توحي بالحرية والانفلات واللذة» وذلك حسب رؤية وديع عساف لها. اما فالح عبد الحسيب الذي احبته اميليا فهو عراقي كان متزوجا من لمى المتحررة وقد اوصلته تناقضاته مع نفسه وعدم التلاؤم، الى الانتحار..
ويشير الناقد ان هذه الشخصيات الاربع قد التقت جميعها على متن السفينة هيركلير التي تعبر البحر المتوسط الى ايطاليا، ومدينة نابولي تحديدا. ونحن نعلم ان جبرا قد جمع الى هذه الشخصيات شخصيات اخرى قد دخلت حياة بعضهم وتقاطعت مع بعضهم الآخر. وهذه الرحلة البحرية، كما اشار الناقد محقا، ليست الا استرجاعا من هذه الشخصيات لحيوات عاشوها في البر: وديع في فلسطين اولا ثم التقت الشخصيات جميعا في العراق، وها هم في السفينة، لكن الرحلة تنتهي وقد نقصوا واحدا هو فالح الذي اقدم على الانتحار.
واذ يتعرض الناقد لمستويات وحالات نفسية لهذه الشخصيات، فهو انما ينوب عن الكاتب جبرا ابراهيم جبرا الذي تتضمن سيرة حياته تنقلا من فلسطين - القدس، الى العراق - بغداد بعد النكبة، وهي مسافة عمر شكلت شخصية هذا الكاتب الكبير الذي عرفناه روائيا، قاصا، شاعرا، ناقدا، وفنانا تشكيليا، ويمكن القول: ان جبرا كان يقص دائما بعض سيرته الذاتية في رواياته، احيانا بشكل شبه مباشر كما في «صيادون في شارع ضيق» و«السفينة» و«البحث عن وليد مسعود» واحيانا في مستوى رمزي كما فعل في «سراب عفان» و«الغرف الاخرى» ويورد الناقد شهادة للكاتب عن روايته تقول: «ان الهروب من السفينة عنصر اساسي، فأنا اصور أناسا يهربون، ولكنهم في النهاية يكتشفون انهم لا يستطيعون الهرب».
ويلاحظ الناقد ان الكاتب جعل شخصياته يقدمون انفسهم، لا بشهادات مباشرة وحسب، بل بطبيعة آراء بعضهم في بعضهم الآخر. فنحن لسنا ما نخبر عن انفسنا، بل ان شهاداتنا عن الآخرين تكشف جوانب منهم ومن رؤيتنا لهم وعن فهمنا للآخرين.
التقنيات الفنية
بدأب يثير الاعجاب، رصد الناقد تقنيات الكاتب الحديثة المتعددة في تقديم روايته، بدءا بالسرد اللغوي وانتقال ضمائر المتكلمين من صوت الى آخر، مرورا بمرايا كل من وديع عساف وعصام السلمان واوراق فالح ورسائله قبل الانتحار، واعتماد اسلوب كافكا بوصف الحوادث مرات مختلفة بطرق مختلفة، حسب موقف الراوي او الموقف من الشخص الذي يتكلم الراوي عليه.
ويتابع الناقد عملية تشظي الزمن الروائي بين استرجاع الماضي والشهادة على الحاضر واستباق الحدث، عبر تقنيات حديثة على الرواية العربية مثل الحذف، والوقف واستخدام ما يشبه المشهد المسرحي، بل ان لغة السينما حاضرة من حيث المونتاج المكاني والمونتاج الزماني، وتشابك الفضاء بالمكان لتشييد البنيان المعماري الروائي، واستخدام الرسائل للتعبير عن مشاعر المتراسلين وهو اسلوب متبع بعض الشيء. وقد توقف الناقد عند استخدام «الموسيقى والارتجاع الفني»، في الحبكة الروائية وهي عملية فنية اعترف بأني لم اكن اعرف عنها شيئا قبل ان يشرحها لي المرحوم جبرا في سهرة ادبية لا تنسى.
«
فعلى انغام باخ اثناء دخول السفينة مضيق كورينث يسترجع وديع عساف في السفينة ذكرياته عن القدس واحتفالات عيد الميلاد بصحبة فايز» وهو يستخدم الموسيقى ودورها في استرجاع الاحداث خلال تموجات هذه الرواية كتموج السفينة في عرض البحر.
لقد نجح الناقد الى حد بعيد في حمل القارئ على التزود بعناصر ثقافية مركبة حتى يتمكن من مواكبة هذه الرواية الاستثنائية في الادب العربي.
ولا بد من الاعتراف بأن «السفينة» رواية اشكالية بحيث ان كاتبا جادا مثل الصديق محمود الريماوي قد رفضها لما فيها من ازدحام وما اعتبره ثرثرة ثقافية، فيما اشاد بها كتاب ونقاد من وزن د. عبد الواحد لؤلؤة ود. غالي شكري وجورج سالم وفاروق عبد القادر وغيرهم كثيرون سمحت لنفسي مجازا ان اندسّ بينهم كأحد مريدي شيخ الثقافة الفلسطينية جبرا.
ترسيخ المنهج
ثم ينتقل الناقد الى رواية «البحث عن وليد مسعود»، درة روايات جبرا، ومنها الى روايته التي كتبها بالانكليزية «صيادون في شارع ضيق» لتكون خاتمة المطاف مع «البئر الاولى» وهي كما سبق ان اشرت ليست الا جزءا اول من سيرة جبرا كتبها بانتقائية في اختيار شذرات هامة من مطلع عمره. والناقد في تناوله هذه الاعمال الجبراوية عمد الى ترسيخ المنهج الذي اختاره لقراءة السفينة، من متابعة السرد اللغوي الى مختلف التقنيات الفنية والمصطلحات النقدية، ومما لا شك فيه أنه جهد كبير محمول على سعة اطلاع وافق للفوز بحصيلة نوعية على المستوى النقدي والتفسير. ولقد كنت اتمنى لو ان الناقد ضاعف حجم كتابه هذا ليتيح لنا قراءة تحليلية تسهم في اضاءة عالم جبرا كفلسطيني عراقي مسلم مسيحي يوائم بين تاريخه الشخصي ومشروعه الثقافي، الا ان ما قدمه سمير فوزي حاج في هذا الشأن غير قليل على اي حال، وما الرغبة في الاستزادة منه سوى اعتراف ضمني بالانجاز الذي حققه..
ولا يخفى على الناقد معنى اهتمام الكاتب بشخصية وليد مسعود من حيث الصراع مع النفس ومع ضغوط العالم الخارجي، حيث يقول وليد: «منذ ان وعيت كانت المعركة ذاتها، بيني وبين نفسي، بيني وبين الآخرين، بيني وبين العالم»، واعتقد - تعميما للفائدة - بأن معرفة العلاقة بين الكاتب جبرا، وبين بطله - وليد تسهم في تسليط الاضواء على الجانب الخفي من الرواية، فقد علمت من جبرا شخصيا، انه من اسرة مسعود في الاصل، هي اسرة تلحمية لا تزال قائمة، وعندما صرحت بهذا في محاضرة لي عن جبرا ببيت لحم، اكد لي عيسى شقيقه الاصغر هذه المعلومة، ما يعني ان القراءة المتمعنة لعنوان الرواية يجعلها تعني البحث عن جبرا بوصفه مرآة وليد مسعود. ولقد كان اسم وليد في بداية الرواية هو «خميس» ويعني العيد، الا انه جعل معارفه يخاطبونه بوليد، كأنه يقول: البحث عن ابن مسعود» الذي هو جبرا الذي كان مشغولا ادبيا ووجوديا بلفت الانظار الى ان بطله مرآة له، والبطل ليس وليدا وحده، فشخصيات جبرا المتماهية معه كثيرة.
تقول مريم الصفار، احدى البطلات الرئسة للرواية، متسائلة: «لماذا اريد ان اتحدث عن وليد فأتحدث عن عامر عوضا عنه؟ هل هما وجهان لعملة واحدة؟ ولعلي اجيب مريم الصفار عن سؤالها هذا بأن التداخل في الشخصيتين ناجم عن انهما تشتركان في كونهما من مرايا المؤلف جبرا. فوليد هو ذلك الفلسطيني الرافض، الرائد، الباني، الموحد اذا كان للامة ان تتوحد.. ويلاحظ الناقد بحق ان «السارد يصبغ الفلسطيني بهالة من التقديس والمبالغة حيث ينعته بنعوت اسطورية خيالية». وهذه الملاحظة عينها سبق ان ابداها الناقد الفلسطيني د. فيصل دراج كمأخذ على جبرا ابراهيم جبرا معلقا بأن كثرة اوصاف التفوق للبطل الموصوف انما تنبئ عن غيابه.. بمعنى ان الشخصية تدخل في الاسطورة على حساب الواقع، وهو ما لم ينكره جبرا في احاديثه الخاصة معبرا عن اعتزازه بفلسطينيته مع انه يحمل، بسبب ظروف موضوعية، جنسية مختلفة.
وقد اضاف الناقد الى المصطلحات التي استخدمها في قراءة السفينة، مصطلح التناص اذ يعقد مقارنة طريفة بين شخصية وليد مسعود كما وضعها جبرا وبين اسطورة كلكامش من حيث الخلود وهزم الزمن، ويتوقف عند علامات الترقيم، والفراغ، والحروف الغامقة لتمييزها عن دلالة الحروف العادية فما من شيء بريء في لغة جبرا الادبية، وهو ما ألجأ الناقد الى سلوك هذا المنهج المركب في قراءته.
درب الحكاية
فإذا وصلنا الى الفصلين الخاصين برواية «صيادون في شارع ضيق» ومذكرات «البئر الاولى» اصبحت الدرب سالكة ميسورة، ذلك ان الناقد ما عاد مضطرا الى استنفار قاموسه الحداثي، لقراءة رواية تتبع الاسلوب الحكائي التقليدي في سرد تجربة جبرا في الهجرة من فلسطين الى العراق، وكذلك في التقاط شتات ذاكرته عن ايام الصبا في بيت لحم. والناقد يقول منذ السطر الاول في هذا السياق: «تعتبر رواية صيادون في شارع ضيق احادية الصوت، اذ يقوم جميل فران - بطل الرواية - بسرد جميع فصولها» حيث يمتاز السرد بالانسياب بعيدا عن الخطة المصممة، ويتجلى سحرها بتأمل الماضي «كما ان غياب الشكل فيها هو دلالة على الشكل الصحيح». ولم يفت على الناقد دور الرسائل في السرد حيث تلقى جميل رسالة من اخيه يعقوب ورسالة من سلافة، فكانت الرسالتان ذريعتين لكشف مزيد من المعلومات وحيثيات الرواية في البئر الاولى، يقدم احدى وعشرين لوحة فنية - رسمها فنان ماهر، كل لوحة تستوقفك لاستجلاء خبايا تجربة الطفل من بيت لحم، الذي شمخ واصبح انموذجا للمبدع العربي في القرن العشرين» ولم يجاف الناقد حقيقة حكم القيمة في جبرا الذي عاش طفولة مرهقة بشظف العيش، واصبح في كهولته شبه لورد في بغداد، وظل ذلك الفلسطيني المتعلقة روحه بالديار المقدسة.
يشير الناقد الى تأثر كاتبنا بالروائي الامريكي الكبير وليم فولكنر، وكان جبرا قد نقل الى العربية رواية «الصخب والعنف» اشهر اعمال فولكنر، فتأثر لا بفولكنر بل بترجمة جبرا له عدد من الادباء العرب، ولا سيما باستخدامه الحروف الغامقة للدلالة على تغيير مستوى الزمن. ومن هؤلاء المتأثرين بهذا الاسلوب، كاتبنا الكبير الشهيد غسان كنفاني في روايته «ما تبقى لكم».. الا ان جبرا الذي غامر باستخدام الاصوات المتعددة، وكسر رتابة السرد الحكائي، وادخل الازمنة بعضها على بعض، يظل ذلك الكاتب العربي الفريد في قدرته على السرد المتمهل واغناء المكتبة العربية بالنصوص النوعية ذات الاساليب المتعددة المتجددة باستمرار.
وحسب سمير فوزي حاج انه استطاع بكتابه ان يرسخ هذا الانطباع بوصفه موقفا نقديا كبيرا للتعريف بكاتب كبير. ومرة ثانية اشير الى انني لم اقدم هذا الكتاب كما يجب.. ربما لانني لم استطع مغالبة مشاعري المنحازة بشكل طفولي الى امامنا جبرا ابراهيم جبرا

اليكم رابط المقاله:
http://www.alhayat-j.com/newsite/details.php?opt=1&id=191892&cid=2794


تعليقات        (اضف تعليق)

* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مسؤولية التعقيب تقع على عاتق المعقبين انفسهم فقط
يمنع ادخال اي مضامين فيها اي تجاوز على قانون منع القذف والتشهير او اي قانون آخر
فيديو عبلين |  اخبار عبلين |  دليل عبلين |  عن عبلين |  العاب اونلاين |  للنشر والاعلان |  من نحن |  اتصل بنا | 
Online Users
Copyright © ibillin.com 2007-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع عبلين اون لاين
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com