كلنا يعلم أننا نعيش في مجتمع تضبطه عادات وتقاليد، نسير وفق مبادئ ورثناها عن الآباء والأجداد ولا يمكن أن نفرط بها، ففي الماضي غير البعيد كان كبار السن والوجهاء والمشايخ يتكفلون بحل المشاكل، إذا وقعت بين أبناء المجتمع الواحد أو بين أبناء الحي الواحد أو البلدة الواحدة، أو حتى أبناء العائلة الواحدة، وسمعت في السابق جدي، رحمه الله، يقول :"اللي ما له كبير ما له تدبير"، وقبل أن نلحق بالركب الحضاري كان أسلافنا يتوجهون لمختار القرية لحل مشاكلهم، وكان يتدخل حتى في شؤون الزواج والطلاق، أي أنه كان يوفق ولا يفرق، يقرب ولا يبعّد، وفي عصرنا الحديث بات رئيس البلدية رجل الحل، فهو العنوان إذا وقعت المشاكل وهو الذي ينبغي أن يتدخل في التوفيق بين أبناء بلده، وهو إذا تطلب الأمر طلب يد العروس للعريس، وحظي بموضع الاحترام من قبل مريديه ومعارضيه، فمنهم من عرف كيف يكسب وُدَّ خصومه وتحويلهم إلى مقربين منه، هذا الأمر يتطلب حنكة وصبرًا وتحمل الصعاب والعمل مع المواطنين بتسامح ومحبة، هكذا يتحول الرئيس إلى المحكم، وليس فقط رئيس بلدية يسير أمور المشاريع ويتباهى بعمله، وقد نجح الكثير من رؤساء المجالس والبلديات في اختراق كل الحواجز والوصول إلى قلوب الناس، كل الناس حتى لو اختلفوا معه بالرأي.

أما عندنا في شفاعمرو فالرئيس الذي ادعى تبني  التطور والنهوض والرقي بالمجتمع الشفاعمري إلى أعلى المستويات، فإنه لا يطيق صبرًا مع منتقديه، فهو لا يعلم أن كل ابن آدم خطاء، إلا إذا كان يعارض ما قاله النبي، صلى الله عليه وسلم:"كل ابن آدم خطاء وخير الخاطئين التوابون"، فهل يعتقد رئيس البلدية في شفاعمرو أنه فوق النقد وفوق الأحاديث النبوية الشريفة؟ ألم يقل الله عز وجل:" لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة". فلم يسبق لأي رئيس بلدية في شفاعمرو أن يمم وجهه إلى الشرطة شاكيًا المواطنين كما الرئيس الحالي، لا بل ساهم في إبعاد بعضهم عن المدينة، ومنهم الأخ مراد حداد الذي أبعد عن بيته وعائلته ومدينته لمدة ثلاثة أيام، ولحق به الأخ علاء أيوب الذي تم إبعاده لسبعة أيام، ثم اختلف مع الأخ عوض عبد اللطيف (العيلوطي) فاشتكاه للشرطة، ومؤخرًا مع كريم أبو مدين، والعلم عند الله، حتى حلول موعد الانتخابات مع كم من الأشخاص سيشتبك، وكم مرة سيزور مقر الشرطة لتقديم الشكاوى؟ ألم يعرف الرئيس المؤقت بأنه كان عليه أن يترفع وأن يداوي نفسه من الإفراط بالحساسية الزائدة والمتراكمة في سجله، فمن يدعو الناس إلى لغة الحوار من واجبه هو أن يطبقها... فيا ناهض لا تنهَ عن شيء وتأتي بمثله، بل بأسوأ منه!!! أنت ساهمت بإبعاد الناس عن المدينة بادعاء أنهم تعرضوا لشخصك، في حين كان عليك أن تدعوهم إلى طاولة التحاور بلغة التآخي والتسامح وتكسب ودهم، لا أن تساهم في إذكاء نار التفرقة والكراهية بين الناس، وأنت تعلم  وربما لا تعلم بأن الفتنة أشد من القتل، أنا أعي أنك لا تتحمل هذا الانتقاد وهذا الكلام، لأنك لم تستوعب بعد أنك تقلدت منصب رئيس بلدية  في غفلة من الزمن، بودي أن أذهب

قليلاً إلى الأيام الخوالي، يوم كان المرحوم جبور جبور رئيسًا للبلدية، وقتها جاءته سلطات الاحتلال الصهيوني وأبلغته بأنها قررت طرد المسلمين من المدينة، هي أرادت أن تلعب لعبتها الخبيثة، جبور رئيس بلدية مسيحي والحديث عن الإسلام، معتقدة بأنه سيرحب بفكرة الترانسفير للمسلمين، فماذا كان رد المرحوم:" إذا طردتم المسلمين سأخرج معهم" لاحظوا الفارق، المرحوم جبور أبى أن يُطرد أي من أبناء المدينة التي تحت رعايته وصمد في وجه الحاكم العسكري، ولم يقبل على نفسه بأن يخرج واحد من المدينة، هذه هي قمة الإنسانية والتسامح والتعامل مع الآخر بروح الانفتاح والتفاهم، وليس بلغة  الشرطة والاستعجال، المسؤول عليه أن يتحمل، فهذا الشيخ رائد صلاح وعندما تولى رئاسة بلدية أم الفحم، كان ينزل من الصباح الباكر إلى الشارع ليعاون عمال النظافة على تنظيف الشوارع، فشتمه أحد المواطنين دون أن يعرف شخص الشيخ وقتها، فرد عليه بلغة الواثق بنفسه والمؤمن بربه:"لا عليك يا أخي المهم أن نعمل من أجل نظافة مدينتنا" لم يهرول إلى أقرب مركز شرطة، ولم يغضب ولم يرد الشتيمة، وهكذا دخل إلى قلوب الناس، الخصوم قبل المحبين، هكذا  نريد من كل مسؤول أن يتصرف، ولكن هيهات لمن لا يدرك كنه الحياة وأسسها وتعاليمها! الحمد لله، أن ساعة الحساب أزفت لنتخلص من هذا الحاضر المقيت،  لننتقل إلى عصر فيه يطغى التسامح وتسود المحبة، هذا دعاؤنا إلى العزيز الجبار، إنه مولانا وهو على كل شيء قدير.