أحْبَبْتَ العائلةَ والناسَ

(كلمة في ذكرى الأربعين لطيّب الذكر المرحوم حبيب نجيب بربارة)

تَناثَرَت أوراقُ الخريفِ المُتساقطَةِ من فروعِ الأشجارِ الحزينةِ على فراقِ إنسانٍ كريمِ الخُلقِ والأخلاقِ ومُحِبٍّ للخيرِ لجميعِ الناسِ، ولم يكُنْ ليحيدَ قيدَ أنملَةٍ عن طريق الحقِّ والصواب. تساقَطَتْ الأوراقُ لِتُدْفِئَ بحرارتها الترابَ الذي إحتَضَنَ  جسدَكَ الطاهرَ منذُ زمنٍ ليسَ ببعيد، كي تُلاقي وجهَ ربِّكَ بثيابٍ تليقُ بالداخلِ إلى ملكوتِ السماواتِ،فقد أحبَبْتَ يا أبا نجيب الأناقةَ باللباسِ، اللباقةَ والصراحةَ بالحديثِ، الصِدقَ بالقولِ وعدم استِغيابِ الآخرين.

أحبَبْتَ الغيرَ فأحَبوكَ، بادَلوكَالإحترامَ والتقديرَ الذي كُنْتَ تكنَّهُ لهُم، لهذا حضروا اليومَ من كلِّ حَدْبٍ وصوْبٍ ليرفعوا التسابيحَ مع الكهنةِوالمُصلينَ والمُشتركينَ في هذه الذكرى العَطرةِ، ذكرى إنسانٍ عمِلَ كلَّ ما في وُسعِهِ من أجلِ تأمينِ لقمةِ العيشِ الكريمةِ، وعملَ على تربيةِ أبنائهِالتربيةَ الصحيحةَ إلى جانبِ غرسِ الأخلاقِ الحميدةِ في سلوكهِم وتصرفاتهِم، وسانَدَتْهُ وساعَدَتْهُ الزوجةُ الكريمةُ أمُّ نجيب أطالَ اللهُ بعمرِها، والتي عَرَفَت يَداها الكرمَ والسخاءَ والإستقبالَ والترحيبَ بالضيوفِ كما كُنتَ أنتَ يا أبا نجيب، وهذا عَزَّزَ في نفسِكَ محبّةَ الحياةِ بكلِّ أحوالِها المُتَقَلِّبَةِ، فَلَم تَكسلْ يوماً عنِ العطاءِ للعائلةِ الكريمةِ وللغيرِ وللسائلِ،وحالُ لسانِكَ يقولُ: وأما اليتيمَ فلا تَقْهَر وأمّا السائلَ فلا تَنُهَر، ولمّا كُنْتَ تُسألُ عن سببِ محبَّتِكَ لهذا العملِ الخيِّرِ، كانَ جوابُكَ ترافقهُ الإبتسامةُ الصادقةُ: بِتلاقيه عندَ رَبِّكَ.

لمْ تكُنْ لِتدَّخِرَ شيئاً للحياةِ الأرضيّةِ الفانيةِ، جُدْتَ بسخاءٍ على تعليمِ أبنائِكَ وعلى بناءِ عائلاتهم على أسُسٍ متينةٍ مليئةٍ بالدفءِ والحنانِ والتلاحمِ العائليِّ المتينِ، فكُنتَ كالعارفِ بمغادرةِ هذهِ الحياةِ الأرضيّةِ المُؤقتَةِ زمناً، فجمَعتَهُم في ليلةِ رأسِ السنةِ المجيدةِ، وأسدَيْتَ لهم النصائحَ، والتي يجبُ أن يعلمَ بها الكُلُّ،قائلاً لهم: أحِبّوا بعضُكم بعضاً، أنا ووالدتكُم أحبَبْنا الخيرَ لكُم جميعَكُم، لهذا لم ندَّخرْ لا الغالي والنفيسَ ولا الرخيصَ من أجلِ بناءِ مستقبلِكم ومستقبلِ أولادِكم، حافظوا على هذه الأمانةِ، أمانةِ المودَّةِ والحُبِّ والمحبَّةِ وعدمِ التفكُّكِ بينكم بتاتاً. أسديْتَ لهم ما أردتَ لهم طيلة أيّامِ حياتِكَ الأرضيّةِ يا أبا نجيب، وأمُّ نجيبٍ تسمعُ ما تُريدُ وما تطلبُ من أبنائكَ جميعِهِم بدونِ استثاءٍ، وستَعملُ أمُّ نجيبٍ على تحويلِ هذه السياسةِ سياسةِ المحبّةِ والوفاقِ بين عائلاتِ أبنائكَ قدر المُستَطاعِ وبكلِّ ما يأتيها اللهُ من قوَّةٍ وصبرٍ وإيمانٍ.

نَمْ مُطمئنَّ البالِ يا أبا نجيبٍ، فالرايةُ التي حَملتَها طيلةَ أيّامِ حياتكَ لن تسقطَ، فالزوجةُ الكريمةُ والأولادُ وأشبالُهُم سيُحافظونَ عليها كما كُنْتَ تُريدَ لهم، لن يخذلوكَ وأنتَ في دارِ الحقِّ والحياةِ السماويّةِ الأبديّةِ، كما لم يخذلوكَ وأنتَ حيٌّ في هذه الحياةِ الأرضيّةِ، ويُعاهدوكَ أنْ يبقى بيتكُم العامرُ عامراً بأحبائهِ وضيوفِهِ الذين تَعوَّدوا على زيارتِكُم وأنتَ حيٌّ، فَبَيْتُ العلمِ يبني الرجالَ وبيتُ الكرمِ عمادُهُ المحبّةُ والإحترامُ المُتبادلُ.

نُصلِّي من أجلِ النفوسِ جميعِ النفوسِ المُنتقلَةِ إلى رحابِ الخالقِ الغفّارِ الرحيمِ، كي يَرأفَ بعبيدِهِ ويُسامحَهُم، ويُباركَ مَسكَنَهُم، وأنتَ واحدٌ من هؤلاءِ الذينَ نُصلِّي لهم يا أبا نجيبٍ، فاللهُ أعطى وكانَ كريماً بعطائِهِ، واللهُ أخذَ مُستَرِدَّاً الأمانةَ الزمنيَّةَ ليُكَرِّمَها بِرحمتِهِ الأبديَّةِ، فإلى جنّاتِ الخُلدِ أيُّها القريبُ الغالي حبيب يا حبيبَ اللهِ، حيثُ الصِدّيقونَ يستريحونَ، ونتقدَّمُ لعائلتِهِ الكريمةِ، الزوجةِ والأبناءِ والأخوةِ والأخواتِ وجميعِ آلِ بربارةِ وأقربائِهِم وأنسبائِهِم بأحرِّ التعازي سائلينَ المولى عزّ وجُلَّ أنْ يتغمّدَ برحمتهِ الواسعةِ فقيدَكُم/فقيدَنا الغالي حبيب نجيب بربارة - أبا نجيب - وأنْ يُطَوِّلَ بأعمارِكُم جميعاً معِ الصحَّةِ والعافيةِ وهداةِ البالِ، والله يَرحمُهُ وإلى جنّاتِ الخُلدِ يا أبا نجيب آمين.

الدّاعي لكُم بالخيرِ

                                            جاسر الياس داود

عبلين 6/10/2012م