يوم الاثنين الموافق
06/05/2024
الصفحة الرئيسية اجعلنا صفحة البداية اضفنا للمفضلة





























24/08/2012 - 11:51:59 am
كـنـتَ عـظـيـمًـا؛ لأنّـك كـنـتَ بـسـيـطًـا بقلم حـنّـا نـور الـحـاجّ
موقع عبلين أون لاين

كـنـتَ عـظـيـمًـا؛ لأنّـك كـنـتَ بـسـيـطًـا

[في السابعة من مساء الخميس (23/8/2012)، لمناسبة ذكرى الأربعين لرحيل الشـمّـاس العبلّينيّ نـور إلـيـاس أنـدراوس الـحـاجّ (أبـو تـومـا - 23/4/1927-23/7/2012)، أقام المجلسّ [في السابعة من مساء الخميس (23/8/2012)، لمناسبة ذكرى الأربعين لرحيل الشـمّـاس العبلّينيّ نـور إلـيـاس أنـدراوس الـحـاجّ (أبـو تـومـا - 23/4/1927-23/7/2012)، أقام المجلسّ الملّيّ الأرثوذكسيّ الوطنيّ في عبلّين حفلاً تأبينيًّا قصيرًا، فيه كان لي أن أقول الكلام الآتي للمحبّين -مشاركين ومنظّمين]

 

أيّها الأعزّاء، مساؤكم خير.

لأنّي أخشى السهو والنسيان، لا بدّ لي قبل كلّ شيء أن أتقدّم إليكم بخالص الشكر وعميق الامتنان. عواطفكم لطف وحبّ يجعل العيشَ حياةً... حضوركم وكلماتكم نسمات تُحْيي الروحَ الفاقدة. أعرف أنّكم لا تنتظرون الشكر، لكنّي عاجز، ولذا لا أجد إلاّ الشكر أوجّهه إلى حضرتكم جميعًا...

شُكْرُنا للمجلس الملّيّ الأرثوذكسيّ الذي نظّم وكرّم؛ نظّم هذا الاحتفال التأبينيّ، وكرَّم الفقيد بلفتة تخليد عبر لافتة رقيقة وُضِعت اليوم على الجدار، هناك في المكان الذي اعتاد المصلّي المرتّل أبو توما أن يجلس فيه في بيته الروحيّ (الكنيسة).

شُكْرُنا للأجلاّء الكِرام الذين أتَوْا مسافرين من بعيد، الذين نعتبرهم أهلاً لا ضيوفًا.

شُكْرُنا لكلّ مَن أعاننا في إقامة هذا الاحتفال والتحضير له.

شُكْرُنا لكلّ مَن أعان في إصدار الكتيّب التكريميّ كتابةً وطباعةً وشحنًا وتصميمًا. شكريَ الجزيل الموصول لذاك "الجنديّ المجهول"، ابن الرامة وائل واكيم، المصمِّم الذي تَكرّمَ علينا بصنع غلاف للكتيّب يَبهر العينَ والقلب، وأصرّ على عدم تقاضي أيّ مقابل رغم إلحاحي المتواصل، واقترح أن أتبرّع مقابل ذلك للكنيسة بأيّ مبلغ. لك ما تريد، أخي وائل. بورِكَ فيك، أيّها النبيل الجميل.

شُكْرُنا لأهالي عبلّين الحبيبة، أهالينا الذين بمشاركتهم في مناسبات كهذه يُثْبتون دائمًا أنّهم أهل خير وطِيبة.

* * * * *

أيّها الأعزّاء، إنْ أطلتُ قليلاً، أو كثيرًا، فليتكم تلتمسون لي العذر! ذاك الذي كان صوتًا نيّرًا خيّرًا، الحديثُ عنه -وإن طال- لا يَفيه حقَّهُ. الحديث عن المرتّل الكنسيّ الراحل يغري بالإطالة، على الرغم من أنّ المرحوم لم يكن ممّن يُطيلون في الكلام، مع أنّه كان يجيده إجادةً طالما غبطتُه عليها.

أبي الحبيب. كم أرتاح حين أذكر سجاياك! أتعرف لماذا؟ أرتاح لأنّي لست أخشى أن أُرمَى بأيّ اتّهام. لن يتّهمني أيّ من الأحبّاء بأنّي أبالغ أو أضخّم أو أفخّم أو أعظّم. أنت، يا أبا توما، لستَ بحاجة إلى إقرار منّي بأنّك امرؤٌ عظيم. عظيم أنت، عظيم وإن لم تشعر بذلك. بل لأنّك لم تشعر بأنّك عظيم، كنتَ عظيمًا. كنتَ عظيمًا؛ لأنّك كنتَ بسيطًا.

        "قدّيس"... هكذا قال فيك أكثرُ من مُعَزٍّ مُحِبّ.

        أتعرف، يا أبي؟ كلّما قال أحد عارفيك المحبّين عنك إنّك "قدّيس"، وجدتُ الدمع والابتسام يتدافعان إلى عيني وقلبي. أبتسمُ؛ لأنّك الآن -كما كنتَ دومًا- لا تُذْكَر إلاّ بالخير: مؤمنًا تقيًّا ورِعًا، لا يتمنّى لغيره إلاّ الهدايةَ والخير والتوفيق والتوافق. وأَدمَعُ؛ لأنّ كلام المعَزّين الصادق -من حيث لا يدرون هم ولا يقصدون- يعمّق الإحساس بالخسارة والفقدان...

أبونا عوّاد -أطال الله في عمره- خنقته العبراتُ وهو يقول: "عيبْ أقولْ إنّو أبو توما مثل أخ. أكتر من أخ"!

زوجة العمّ المرحوم طبّاش، الغالية أمّ باسم، تقول بانفعال يكبت الدمع: "أبو توما كلّ ميةْ سِنِة أنجقْ ييجي مثلو! فِشّ مثلو"!

العمّ أبو راتب، في أوّل أيّام العزاء، بهدوء ومحبّة يقول: "إذا فيه ناسْ قدّيسين، أبو توما لازمْ يطوّبوه قدّيس"!

العمّ أبو الوليد بكلّ عفويّة يقول لمُجالسيه: "أبو توما لو عاشْ على زمانْ قَبِلْ، اللي مثلو أكيد بيعملوه قدّيس"!

وغيرهم كثيرون قالوا كلامًا يُفرِح القلبَ ويُدمِع العين. كلّهم يحسّون بالخسارة. كلّهم يحبّونك ويَقْدرونك. ذاك، لَعَمْري، أعظم أجْر أرضيّ يتلقّاه المرء. محبّة الناس كنز لا يقدَّر ولا يثمَّن.

أبا توما، أخشى أن أُخْجِل تواضعك بكلماتي... أتعلم لماذا يعتبرك هؤلاء الأحبّاء وغيرهم "قدّيسًا" (على حدّ تعبيرهم المُجِلّ)؟ اسمح لي أن أتولّى الإجابة، في عجالة...

"قدّيسًا" يعتبرونك، لأنّك كنت إنسانًا. أن يكون المرء إنسانًا معناه أنّه يحبّ الله، وبالتالي يحبّ خلقَ الله. أن يكون المرء إنسانًا معناه أن يحبّ الخير، وأن يصنع الخير. وفي هذا، نورًا وخيْرًا وحُبًّا كنتَ.

* * * * *

كم نحبّك، وليتك تعلم كم نشتاق إليك! ليتك تعلم كم سوف نشتاق إليك!

        كم أحسّ بالخسارة لأنّي في أيّام متباعدة غير قليلة لم أجتمع بك. رغم الأعوام الخمسة والثمانين، لم نرتوِ من ينابيع عطائك وبهاء حضورك وكلامك الحلو كروحك الحلوة. أحيانًا جرفتني المشاغل الحقيقيّةُ عنك، يا أبي، وما كان ينبغي لها أن تشغلني عن امرئ مُـقِـلّ في التحدّث مُجيدٍ له. جرفتني المشاغل وما كان ينبغي لها أن تشغلني عن أحبّ الناس وأغلاهم.

        كم أحسّ بالخسارة، وبالندم في أوقات غير قليلة. لكنّي أعدك، أيّها العزيز العزيز، أعدك بألاّ أعيش العمر في ندم. الندم، رغم ما فيه من نبل ولطف وصدق وطُهْر، الندمُ معذِّب. وأعرف أنّك لا تريدني معذَّبًا ولا معذِّبًا.

* * * * *

ورغم إحساسنا بالخسارة العميقة لأنّك رحلت (أو هكذا شُـبّه لنا)، نَعِدُك أنّنا لن ننتحب ولن نتفجّع. إكرامًا لك، إكرامًا لذكراك الطيّبة، وتلبيةً لرغبتك، رغبتك التي نعرفها حقَّ المعرفة، سنضع حدًّا للحِداد. في أيلول القريب، سنحتفل بزواج حفيدك فريد جوّاد الحاجّ، وبزواج حفيدك وئام توفيق غبريس. لن ننسى ترديدك لمقولة بولس الرسول، التي طالما ردّدتَها على مسامعنا كلّما انتقدنا المبالغة في الحِداد: "لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم". يا والدي، هذا ما شجّعنا في يوم التشيـيع أن نطلب إلى كلّ الأهل والأقرباء والأصدقاء ألاّ يطيلوا في الحداد، وأن يُقِيموا أفراحهم كما برمجوا لها.

"أبو توما" احترم الموتى والموتَ نفسه بما فيه من مرارة، لكنّه لم يتفهّم إقامةَ الحِداد طويلاً والإفراطَ في الحزن. لم يقبل ذلك، بل لقد اعتبره مُنافيًا لجوهر الإيمان. لم يتفهّم، وأنا أتفهّم عدمَ التفهّم هذا. حين قرّرنا ألاّ نطيل إقامة الحِداد، كنّا نستلهم كلامه وإيمانه وروحه الطيّبة. حين قرّرنا ذلك، كنّا نحاول أن نُفرّح روحه العفيفة الحلوة.

ودعني أطمئنك، أيّها الراقد في حِضن العليّ القدير: الناس... الناس، يا والدي، يتفهّمون قرارنا ويُشيدون بموقفنا. فالعادات والتقاليد من صنع الإنسان، ولا قداسةَ لها. ولأنّها من صنع الناس، فلهم أن يغيّروها وأن يستغنوا عنها حين تصبح ثقيلةً مثقِلةً وغيرَ عمليّة. لـلناس أن يغيّروا عاداتهم، وأن يجدّدوا فيها بما يلائم عصرهم، وبما يخدمهم ويخدم مصالحهم الحقيقيّة. وهل هناك أجْوَدُ وأَجْملُ ممّا يخدم الناسَ؟! لا أظنّ...

        أتعرف، يا أبي؟ في كثير من الأحيان، أحسّ أنّك لم ترحل. لم تبتعد. أحسّ بك قريبًا. أحسّ أنّي مسكون بك. أطمئنك: حين تخطر ذكراك في بالي، في ليلي وفي نهاري، لا أسمح للحزن والدمع أن يستبدّا بي. ذكراك عطر وشهد وسعد. ذكـراك حـيـاة.

        تـبـاركـت الـحـيـاة...

23.8.2012



تعليقات        (اضف تعليق)
1
علاء حيدر
عبلين
26/08/2012 - 12:22:24 am
كلام معبر مؤثر وجميل....

ارى هذه الصفات المذكورة في شخص المرحوم ايضا في ابناءه وحتى احفاده التي تعاملت معهم....نِعم التربية....

الله يرحمه

2
ابو توما الغالي
27/08/2012 - 05:19:38 pm
رحمك اللة ورحمنا وياك
الله يخلي ولادك اللي بنفتخر فيهم


* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مسؤولية التعقيب تقع على عاتق المعقبين انفسهم فقط
يمنع ادخال اي مضامين فيها اي تجاوز على قانون منع القذف والتشهير او اي قانون آخر
فيديو عبلين |  اخبار عبلين |  دليل عبلين |  عن عبلين |  العاب اونلاين |  للنشر والاعلان |  من نحن |  اتصل بنا | 
Online Users
Copyright © ibillin.com 2007-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع عبلين اون لاين
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com