يوم الاحد الموافق
28/04/2024
الصفحة الرئيسية اجعلنا صفحة البداية اضفنا للمفضلة





























22/05/2012 - 09:36:49 am
صُـَوٌر تَـروي الـحـكـايـةَ (وتَـروي بـعـضَ ظـمـأ) بقلم حـنـّا نـور الـحـاجّ
موقع عبلين أون لاين

صُـَوٌر تَـروي الـحـكـايـةَ

(وتَـروي بـعـضَ ظـمـأ)

حـنـّا نـور الـحـاجّ

 

[بفضل معرض الصُّوَر الفوتوغرافيّة "عِـطْـر الـمـكـان" المُقام الآن في بلدتي عـبـلّـيـن... بفضل الصور المعْجِبة التي التقطها جبّور خوري ومجدي عسّاف، والتي أشاعت في القلب وجْدًا وتشبّثًا بما هو حقّ وجمال... كانت هذه الكلمات]

 

عصرَ أمس، وحيدًا تسلّلتُ إلى قاعة المعرِض، وأمضيتُ هناك نحو نصف ساعة لوحدي أتجوّل وأتنقّل مرّة تلو المرّة بين تُحَف الصور. لا تعجبوا، أيّها الإخوة والأخوات، إنْ حصل هذا لكم! بل لن يعترينا تعجّب ولا استغراب إذا حضر بعضكم أكثر من مرّة واحدة إلى قاعة المعرِض.

تجوّلتُ. شاهدتُ. انبهرتُ. مسحورًا ودامعًا وجدتُني.

لقد حَضَرني أكثرُ من مذكِّر واحد...

حين نظرتُ إلى البيوت والشبابيك، حَضَرني الكلام الرحبانيّ الذي غنّته الفيروزة منذ عقود:

..."كان فيه أرض وكان فيه إيدَيْنْ عَمْ بتعمّر عَمْ بتعمّرْ

تحت الشمس وتحت الريحْ  

وصار فيه بْيوت وصار فيه شْبابيك عَمْ بتزهّرْ  

صار فيه وْلاد وبإيديهُن فيه كتابْ  

وبْلَيْل كِلّو لَيْل سال الحقد بْـفَـيِّـةْ الِـبْيوتْ  

والإيدَيْن السَّوْدا خَلّـعِتْ الابوابْ  

وصارِتْ الِـبْيوت بْلا صْحابْ"...

وحين أَسَرَني سحْرُ الطبيعة، بأرضها وسمائها، بسهلها وجبلها، بصخرها وترابها، بشجرها وعشبها، حينذاك عادت إلى ذهني إحدى روايات إبراهيم نصر الله ("أعراس آمنة" أو "تحت شمس الضحى"). في أحد المَشاهد، يصطحب الراوي أمّه وخالته في رحلة بسيّارته نهارًا كاملاً. مِن داخلِ أو وسط الضفّة الغربيّة، تتوجّه السيّارة إلى أقصى شمالها في يوم ربيعيّ ساحر. كان ذلك بعد سنين طويلة (هي سنواتُ العمرِ كلِّه) لم تتمكّن فيها المرأتان من القيام بأيّ نزهة أو رحلة أو جولة في أيّ من أرجاء الوطن (الأسباب؟! أترك لكم أن تحزروها!). بعد انتهاء تلك الرحلة، التي شاهدت خلالها المرأتان منبهرتين مناطقَ من الوطن آسرةً لم يتسنَّ لهما مِن قبلُ أن تصلا إليها، ولا أن تشاهداها، كان ما استغربه الراوي أنّه في طريق العودة الطويل لم تتفوّه أيّ منهما بكلمة. ولكن حين دخـلـتـا إلى المنزل، انفجرتا بكاءً ودمعًا وألمًا. يسألهما الراوي عن سبب البكاء الشديد، فتكون الإجابة: لم نكن نعرف أنّ فلسطين جميلة إلى هذا الحدّ!

*    *    *

إلى جانب الذوق الرفيع، والدقّة والمهارة الواضحة التي تكشف عنها صور الأخ مجدي عسّاف، فتستوقفك وتُشِيع فيك ما تُشِيعه من إعجاب وتقدير (إذ يبحث مجدي عن دقائقِ كائناتِ الطبيعة ويسلّط عدسته إليها، فيَبهرك بما يفعل)، إلى جانب هذا تأتي صور جبّور لتحتـفل بوطنِ هذه الكائنات. بهذا، ربّما يتولّد تكامُل بين ما تلتقطه كلتا العدستين.

آمُل أن يتفهّمني الأخ مجدي إن لم أتناول صُوَره بكثير من التعليق؛ ومَرَدُّ ذلك إلى أمرين اثنين:

أوّلهما أنّ نوعيّة صوره تستدعي -على ما أرى- شرحًا وتعليقًا من العارفين بمهارات التصوير وتَقنيّاته -ولستُ منهم-.

الأمر الثاني أنّ الكثير ممّا أقوله هنا عن صُوَر جبّور كُتب قبل المعرِض، إثر اطّلاعي على هذه الصور التي "صدّعني" جبّور بالحديث عنها، وَ "روّعني" حين أطْلعني عليها، فرأيتها رؤيةَ البصر والشعور. فقبل الآن، رأيتُ عشرات كثيرة من صوره، وذلك عبر آلة تصويره، وعبر حاسوبه، وعبر الفيسبوك...

شـبـابـيـكُ وأبـوابٌ عتيقة...

جـدرانٌ تُذكِّر ببيوت ليست تموت...

سـطـوحٌ تعتليها وتطلّ منها أعشابٌ مُعانِدة...

مَساكن لها في القلوب سُكنى...

مَـعـابـدُ صامتة تستصرخ بسكونها العِبادَ والمعبود...

طـواحـيـنُ لا يطحنها النسيان...

أنـهـارٌ ووديـانٌ شرايينُ تُحْيي جسد الأرض...

تـلال وجـبـال من كبرياءٍ وشموخ...

أشـجـارٌ من بهاءٍ ورسوخ...

مَـدافـنُ هي تاريخٌ حيٌّ لا يُدفَن...

دروب تـرابـيّـة تشهد على مَن شَقُّوا وشَقُوا، وعمِلوا وأمَلوا، وساروا وصاروا ماضيًا نابضًا بالحياة...

تلك، وغيرها الكثير من التفاصيل والدقائق، التقطتها عدسة يحرّكها القلب والعين والذهن والذائقة المرهفة. تلك المعروضات صُوَر التقطها بعدسته الأخ الصديق، عاشق الجمال والفنون، الطبيب الدكتور جـبّـور خـوري، الذي -طَوال الأعوام الثلاثة الأخيرة التي مارس فيها هوايته المتحكّمة المُلِحّة: التصوير- لم يفكّر يومًا في أن يعرض على الملأ ما تلتقطه عدستُه ضمن مَعرِض، إلى أن أتى مَن يحترفون "الحركشة" ويتقنون الإلحاحَ والإصرارَ والعنادَ والعتاب (وأوّلُهم بعضُ أعضاء "نـادي الـمـحـبّـة" -النادي العبلّينيّ الذي تولّى مشكورًا إقامةَ هذا المعرِض)، فرضخ الطبيب بعد كثير منَ الرفض المقتنع والتردّد الخجول. لقد أدركَ أنّ الجمال لا ينبغي أن يُخفَى. إخفاءُ الجمال قبْحٌ هو وبخلٌ وجَوْر. إظهار الجمال لا يكشف عن حبّ في الظهور بالضَّرورة.

*    *    *

لدى جبّور، للأماكن مكانتها، للمنازل منزلتها، وعدسة التصوير ليست مجرّد آلة صمّاء بكماء.

بالعين وبالقلب وبالروح يلتقط جـبّـور تفاصيل الأماكن، فتغدو حكايةً. حكايةً من جَمال وجَلال. حكايةً من نماء وانتماء وبقاء. حكايةً تختزن مقادير هائلة من الآلام والآمال والأحمال والأحلام.

الصُّوَر بعدسة جـبّـور ليست مَشاهد وألوانًا. أحيانًا، الصورة لديه احتفال بالجمال وتأبـيد له. التصوير فنّ، والفنّ قادر على جعلك تحبّ كلّ ما هو خيّر ونبيل وجميل. الفنّ مهارة تلد جمالاً؛ والجمال أَسْر يحرّرك من الدمامة ومن القنوط، ومن السقوط، والهبوط.

وفي أحيان أخرى، التصوير لدى جـبّـور إدانةٌ هو وتذكير. تذكيرٌ بما كان من تهجير وتدمير. تذكيرٌ في وجه الجهل والتجاهل والتجهيل. تذكيرٌ وتخليد لأماكن تسكن الوِجدان: البروة؛ الجاعونة؛ سحماتا؛ البصّة؛ دير القاسي؛ الغابسيّة؛ هوشة؛ الكويكات؛ عكبرة؛ الصفصاف... كلّ هذه وغيرُها تطلّ عليها العدسة، ثمّ يأتينا بها جـبّـور لنطلّ نحن عليها عبْر العدسة.

الصورة لدى جـبّـور وثيقة. وثيقةٌ تثـبّت حقيقة: الماضي لا زال شديدَ الحضور. الحاضر موثِّـقٌ شاهدٌ على الماضي، وصانعٌ للآتي. والآتي لا بدّ أن يأتي.

إلى مقلتك وفؤادك وروحك تتسرّب حكاياتُهُ / صُوَرُهُ فتتشرّبها، وتأخذك إلى ذاتك العطشى؛ لتجد أنّك إزاء حقيقة جديدة واكتشاف جميل: كنتَ تحبّ أماكنك، والآن... صرتَ تحبّها أكثر!

عـبـلّـيـن

الأحـد 20.5.2012


















تعليقات        (اضف تعليق)
1
صفاء خوري
سوريا
22/05/2012 - 09:38:41 pm
أنا سعيدة بهذا الانجاز الرائع ، تحياتي لكما أستاذ حنا ودكتور جبور ، وتمنياتي بمزيد من الانجازات الرائعة والمميزة .

2
علاء شباط
نحف - فلسطين
23/05/2012 - 07:51:25 am
ما أخذ بالقوّة لا يسترد إلا بالقوة. فليكن حبنا وتعطشنا إلى فلسطين حرّة قوة يحققها جيل يأبى الخضوع. تحيّاتي ومودّتي للأستاذ والزميل حنا حاج والدكتور جبور خوري والسيد مجدي عساف على هذا العمل المبدع والرائع.


* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مسؤولية التعقيب تقع على عاتق المعقبين انفسهم فقط
يمنع ادخال اي مضامين فيها اي تجاوز على قانون منع القذف والتشهير او اي قانون آخر
فيديو عبلين |  اخبار عبلين |  دليل عبلين |  عن عبلين |  العاب اونلاين |  للنشر والاعلان |  من نحن |  اتصل بنا | 
Online Users
Copyright © ibillin.com 2007-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع عبلين اون لاين
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com