- ما كنت أظنّ أنّ إخفاء حقيقةٍ ما قد ينجب حقيقةً جميلة وواقعًا حلوًا.
* دعـنـا مـن ألـغـازك!
- مجرّد مقدّمة...
* اجـعـلـهـا خـاتـمـة!
- سمعًا وطاعة، يا "أَلَـدّ" الأصدقاء!
* هـاتِ...
- قرّر صاحبنا المدرّس أن يتعالى على امتعاضه واستيائه ونفوره، فوجد نفسه يحدّث الفتى بلطفٍ متقَن وبكامل هدوء...
* ومـاذا قـال؟
- قال للفتى ما خلاصتُهُ: مصلحتك تهمّني. أحبُّ أن أراك ناجحًا في دراستك. يهمّني أن يكون غدك نيّرًا مشرقًا مشرّفًا. لكن من واجبي أن أذكّرك بأنّ هذا يتطلّب منك إجراء تغيير عميق في سلوكك اهتمامًا وإنصاتًا ونشاطًا. ليتك تعلم أنّي أُعِزّك رغم كلّ ما يبدر منك ورغم ما يصدر أحيانًا عنّي أنا كذلك من قسوة، كإعزازي لسائر زملائك! لا أتمنّى لك إلاّ الخير والسعد والتوفّق...
* كـلام يـشـرِّف الـقـائـلَ ويُـشـيـع فـي الـمـخـاطَـبَ حـيـاءً طـيّـبًـا! ألـيـس مِـن الـلائـق بـه قـول ذلـك؟
- بلى. لا اعتراض... لكنّه صارَحَني، وهو يروي لي ما حدث، بأنّه لحظتئذٍ كان يدرك، في قرارة نفسه، أنّه لم يكن تامَّ الصدق حين قال: "أُعِزّك"؛ فذاك الفتى التلميذ امرؤٌ غير مريح. رغم هذا، لم يساوره ندم.
* الـمـهـمّ أنّـه قـال كـلامًـا جـمـيـلاً لا يـمـسّ بـتـلـمـيـذه ولا يـنـتـقـص مـن مـنـزلـتـه هـو. الـكـلـمـة الـطـيّـبـة الـجـمـيـلـة الـرفـيـقـة لا يـنـبـغـي أن تُـخـلّـف نـدمًـا لـدى مَـن تَـفـوّهَ بـهـا. ازرع جـمـيـلاً...
- بخلاف المعهود والمعتاد، أجدنا اليوم بغير خِلاف!
* لا بـأس مـن الاتّـفـاق. هـل سـنـقـضـي الـعـمـر فـي خـلاف ومـمـاحَـكـة؟!
- ... من علامات الساعة؟!
* بـل مـن عـلامـات الـوعـي. الاخـتـلاف الـذي لا يـثـري يـثـيـر الـرثـاءَ. الاخـتـلاف لأجـل الاخـتـلافِ والـمـنـاكـفـةِ مـثـارُ تَـقـزُّز. الاخـتـلاف مـشروع. صـحـيـح، لـكـن الاتّـفـاق كـذلـك مـشـروع!
- لا كلام...
* ومـاذا حـصـل بـعـد الـكـلام الـدافـئ ذاك؟
- اغرورقت العيون الأربع.
* الـعـيـون مـرايـا الـقـلـوب.
- بعد مرور شهور، فوجئ...
* بِـمَ...؟
- فوجئ واغتبط... رويدًا رويدًا، أخذ الفتى يتغيّر. شرع يتخلّى عن الكثير ممّا عرقله وممّا نفّر أساتذتَه وبعضَ زملائه. أصبح يعرف كيف يوازن بين الجِدّ واللعب. صار جِدّيًّا...
* جِـدّيًّـا؟! يـا لَـلـجِـدّيّـة قـاتـلـة الـصـبـا والانـطـلاق والانـشـراح!
- لا، لا... صار جِدّيًّا بغير تجهُّم، وبغير سماجة.
* جِـدّيّ جـيّـد.
- جيّد. وتغيّرتْ مشاعر الناصح...
* كـيـف ذاك؟
- فجأة اكتشف صاحبنا أنّه حقًّا حقًّا يحبّ الفتى ويُعِزّه. عادت إلى ذاكرته مقولةٌ طالما استهوته بغرابتها: "أَوْلَى الأولاد بالمحبّة أولئك الذين لا يستحقّونها"!
* أتـعـرف...؟ أنـا كـذلـك أتـيـقّـن يـومًـا بـعـد يـوم أنّ الـحـبّ يـمـكـن أن يـكـون عـلاجًـا لـلـكـراهـيـة، لا سـيّـمـا الـكـراهـيـة الـعـبـثـيّـة تـلـك الـخـالـيـة مـن أيّـة طـاقـة.
- مِن الحبّ ما يخنق، ومنه ما يخلق.
* ومِـن الـكـراهـيـة كـذلـك مـا يـدمّـر، ومـنـهـا مـا يـعـمّـر.
- الآن صار صديقنا يدرك أنّ الكلام إن لم يكن هراء، فهناء هو وبلسم ورُخاء ورَخاء.
* الآن عـرف أنّ الـمـكـروهـيـن مـن بـنـي آدم يـسـتـحـقّـون أن يُـحَـبّ.
12.3.2012