أدب وشعر | الرئيسة | شعرُ الشــّعير في زمن الهامبرجر:بقلم إبراهيم مواسي

موقع عبلين أون لاين

تعجبون إن قلت أن الشعراء باتوا في زمننا أكثر من القرّاء ؟؟؟

فكلّ مـَن حملَ قلماً وقرطاساً أو ملك َ حاسوباً راح يصف ّ الكلمات

وكأنه متنبي زمانه ،، ولو قامَ المتنبي لأقسم ألا ّ يقول الشعر مطلقاً

بعد أن يرى ويسمع ويقرأ ما نراهُ ونسمعه ونقرؤه !!ـ ..

المتنبــّي الذي قال في زمن عجّ بفحول الشعراء :ـ

أفي كلّ يوم تحت ضبني شويعر ٌ ـــ ضعيف ٌ يــُقاويني ،، قصير ٌ يطاولُ ؟؟؟

لساني بنطقي صامت عنه عادلُ ــ وقلبي ضاحك ٌ منه هازلُ !!ـ

فماذا سيقولُ لو عادَ إلينا ؟؟؟

تفتح الصحف ،، تتصفح الإنترنت ،، تستمع للإذاعات ،، تشاهد الفضائيات

فتقرأ وتسمع وترى العجب العجاب !! ..

كلّ مـَن هبّ ودبّ يكتب ويقول (شعراً ) !!ـ

وغالبيتهم عشاق يتلوون على جمر الغضا والعشق والهيام

وبعضهم يتفجــّرُ وطنية ً وحبـّـاً للأرض والوطن !!ـ

نصفه دجل وتخريف ،، وستة أرباعه طلاسم وألغاز مبهمة !!..ـ

موجة ــ تماماً ــ كموجة فن الغناء والمطربين والمطربات !!ـ

وكموضة أئمة وخطباء العصر !!.. يحفظ أحدهم عدة آيات وبعض أحاديث

فيعتـلي المنبرَ كفارس ماهر يمتطي صهوة جواده الأصيل !!ـ

وإذا تساءلت واستفسرت وصرخت واستغثت ،، قالوا لك :ــ

دع الشعر لمن يفهمون الشعر !!.. مالكَ وللشعر أيها الجاهل ؟؟!!..ـ

هناك برنامجان في إذاعتين محليتين ... لن أذكر َ التفاصيل حتى لا أتــّهمَ

بالقذف والتشهير في ظلّ قانون جديد يحدّ من حرية التعبير عن الرأي !!..ـ

في أحدهما يطلع علينا مقدّم البرنامج الذي يدّعي أنه شاعر ــ والشعر منه براء ــ

فيصول ويجول في ميدان قصيدته الغرّاء ..

ويتغنــّى بصوته كأنه أوتيَ مزماراً من مزامير آل داوود !!ـ

وليت العيب كان في شعره فقط !!..

فهو يخطىء في النحو واللفظ أكثر من مرة ،، مما يضطره

أحيانا للتصحيح إذا انتبه !!.. فقد سمعته ذات مره

وهو يقول : جلاّدُهُ ،، ولما لم يستسغ المعنى عاد

وقال : جلادَة .. وشتـّان ما بين الجلادة والجلّاد !!ـ

ثمّ يستضيف شعراء وشاعرات لم أسمع بهم في حياتي ،، فيؤذون

أسماعنا بهرطقات تحشرُ في خانة الشعر حشراً ،، كحشر

الجمل في سمّ الخياط !!ـ

وهذا قد صدر له ديوان جديد

وتلك ديوانها تحت الطبع !!

وآخر يعكف على تأليف ديوان ليس له في ميادين الشعر نظير !!ـ

وكأن أحدهم يمضغ علكة أو يلتهم حبة كرمبو !!...

أما المذيع الآخر ،، فإنه يجيدُ العربية ويتقنها ،، لكنه

هو وزميلته في نفس الإذاعة ،، والتي تقدّم

برنامجاً آخر ،، يستضيفان كلّ مـَن طلب أن يقولَ الشعر

فـتــُصاب بالحمــّى والطاعون والمغص الشديد والغثيان وأنت تشنـّف أذنيكَ

بقصائد َ عجز عنها امرؤ القيس وأبو تمام وشوقي !!..ـ

كنت أطلب ــ كحدّ أدنى ــ أن يـُلفتَ انتباه (الشاعر) إلى أخطائه النحوية !!ـ

أيعقل أن يقول شاعر : نظرتُ إلى عيناكِ ؟؟؟

أو : شفتيكِ زمرّدتان ؟؟؟

آلاف الكلمات المستهلكة تصطف جنباً إلى جنب دون مراعاة لغة أو

عروض أو أوزان أو بحور أو حتــّى مقاثي بطـّيخ !!ـ

ويبكي سيبويه ويتململ الفراهيدي ولا يسمع ولا يشعرُ بآلامهما أحد !!ـ

إنّ ما دفعني لكتابة هذه الخاطرة طغيان الغثاء الشعري والزوان !!ـ

ومقال قديم للأديب غسان كنفاني !!ـ

كم تشدّني صراحة هذا الأديب الكبير !!ـ

يبدأ باستعراض ما ادعته صاحبة الديوان بهتاناً وزوراً أنه شعر :ــ

" لو التفتنا إلى الوراء مع العقل

لأطعمنا علومنا ناراً ونوراً !!ـ

لحقنــّـا حضارتنا دماً جديداً !!ـ

لظللنا في مستوى الوجود !!ـ

لضحــّينا لأمة تسود !!ـ

لا فرق بين ذكر وأنثى !!!!!!!! إلخ ................

ثم يتابع قائلاً : إنّ هذا الكلام قد يصلح نصاً وثائقياً

أو له علاقة بالمنطق أو العلم السياسي ،، أو بعلوم

الإحصاء ،، أو ربما باستراتيجية الحرب الشعبية ،، أكثر مما له علاقة بالشعر !!ـ

ويأتينا بمثل آخر :ـ " ورحت أعدو في الطريق القديم

وفي فؤادي ألف جرح أليم "!!ـ

أمــّي ،، صرخت ُ مع عويل الرّياح !!ـ

كتمتُ صوتي ،، لا أصدّق الصــّياح " !! ..ـ

هلعتُ أبكي صامتاً كالذبيح

يا ليتني شرعت حرفي الصحيح !!ـ

في الوجه ،، وجه الموت ذلك الصفيق

انسلّ كاللص الخفيّ العتيق !!ـ

ثم يعلق :ــ هذا نوعٌ من السجع البدائي أكثر مما هو قافية شعرية !!ـ

في البدء تمدّ يدها إلى القاموس لتنتقي الكلمات المناسبة ،، ثمّ لا تلبث أن تغطس

في ذلك القاموس ولا تستطيع الخروج منه " !!ـ

وهذا بأبي وأمــّي ما يفعله شويعرو هذا الزمان !!..

والمصيبة أن آلاف صفحات الإنترنت والصحف

تفتح لهم البابَ على مصراعيه !!...

المهم أن تمتلىء تلك الصفحات الصفراء !!ـ

يقول في آخر المقال :" إن يعذرني أولئك الذين يتمسكون

يتقاليد آداب النقد المهترئة ،، فإني أعلن على رؤوس الأشهاد

أن شعراً رومانطيكياً من هذا النوع ،، لا هو بالشعر

ولا هو بالرومانطيكية ،، وينبغي ألا ّ يــُقبل َ وألا ّ يــُنشر !!ـ

وأنا أصرخ عبر هذا المنبر صرخته تلك : كفى للشعير ،، فإننا نتوق للقمح !!ـ

وكما أنّ غسان لم يفهم شيئاً من أربعمائة صفحة غصّ

بها (ديوان) تلك (الشاعرة) ،، فإنني كذلك لا أفهم كثيراً من خرابيش هذا الزمان !!ـ

والــّي بمزعك أكثر إنو مـُرفق مع النـّص صورة للشاعر/ة الكبير/ة !!!!!!!!!!!!