سار أبو حسن الى جانب حرمه "أم حسن" وفي قبضة يده يمسك بطرف الحبل المربوط في رقبة حماره،الذي يستعمله للركوب والتنقل من مكان الى آخر،فقد أصاب الشيب من رأسه نصيباً كبيراً،وضعف نظره،لكن بنية جسمه ما زالت قوية،وما زال يردّد: والله بقلع حجارة الجبل كلها.فتضحك زوجته أم حسن وأحفاده،وتقول له:يا بو حسن العُمُر ما بِخَبِّي حالو.

في كل يوم من أيام الصيف يتوجهان معاً الى الكرم،للاهتمام بمزروعاته وبغرسه الأخضر،بالرغم من أنَّ القدر حرمهم من ولديْن من أبنائهم اللذيْن قدّسا بدمائهما ثرى الوطن وسقطا من أجل أقدس قضية،والتي لا تُثمن بمال الدنيا.

رغم هذا الألم،يرى أبو حسن وحرمه الأمل لمستقبل أفضل في أحفادهما،لهذا لا يبخلان بوقتهما ولا بعرق أجسادهما ولا بمالهما عليهم،فهم الأمانة التي أُمِّنا عليها بعد فراق الوالديْن.

يقوم أبو حسن بروي المزروعات،أمّا أم حسن فتقوم بجمع أوراق العنب ( ورق الدوالي باللغة الشعبية) والخضراوات التي ستبيعها في سوق البلدة المقدسة،أو كما يقول البعض: أم البلدات المقدسة،وهي القدس الصامدة بسورها الذي لا يُقهر مهما طال زمن القهر والاحتلال.

يجلس أبو حسن وحرمه للاستراحة،فيتناولان وجبة الفطور ومن ثم يرتشفون القهوة المُرَّة،فقد عوّدتهم الحياة على مرارتها ولكن دائماً يقول أبو حسن:لا بدَّ أن تفرج،فتردّ أم حسن عليه وتقول:صَرْنا من التماني وأربعين نقول راح تُفرج يا بو حسن،والله ماني عارفِ منّين بدو ييجي الفرج؟!!!

فيرد عليها أبو حسن:يا أم حسن خلّي أملِك بربنا كبير،أشكري ربّك اللي بعتلنا أبو فرج وَعْطانا هالبستان نعمل فيه،هو بستفيد من الحصة اللي بخدها،وإحنا وأحفادنا بنستفيد من حصتنا من الانتاج.

تنهّدت أم حسن وقالت:أبو حسن بِدْيَت الشمس تحمى يالله نحمِّل الحمل عشان أنزل عسوق القدس بكّير.ففعل أبو حسن ما طلبت منه أم حسن،وعادا أدراجهما الى البيت.وهناك قامت أم حسن بمساعدة "كَنَاينْها" زوجات الشهداء بترتيب أوراق العنب والخضراوات في كيسين كبيرين من الخام.

سافرت أم حسن الى باب العامود في القدس،وهي تصلي في قرار نفسها الى الله –عز  وجلّ- أن يحميها ويوفقها برحمته على بيع محتويات الكيسين،كما وطلبت من ربّها أن يحميها  ويحمي غيرها من النساء اللواتي يحضرن لبيع المنتوج في القدس من مفتشي البلدية الذين لا يرحمون،همهّم مضايقتهن "وتنغيص حياتهن" ومنعهن من بيع المنتوج.

لكن للضرورة أحكام،فهناك أفواه عديدة أو كثيرة بانتظار أم حسن في البيت، ينتظرونها لكي تسد جوع معداتهم وتروي ظمأهم.

وصلت وجلست في المكان الدائم لها،ولم تمضِ بضع دقائق وإذ بمفتشي البلدية يحضرون مسرعين،لم تدرِ أم حسن ما تفعل فهي تعبة،وإذ بفتيان يسرعان نحوها ويحملان الكيسين "كاللصَيْْن"ويتوجهان الى الحانوت القريب من مكان جلوسها،   ويخبئان المنتوج من ورق العنب والخضراوات.ن يحميها ويوفقها برحمته        ،ـمخكن حخهج9ح81ضذ      

لم  يخطر ببال أم حسن ماذا حدث معها؟او لماذا حدث هذا؟!!!

فمن جهة" سُرِق" المنتوج،ومن جهة أخرى تنظر الى مفتشي البلدية وتخاف من تعرضهم لها ولباقي النسوة والذي لا يستند على القانون ولا على الخلق والأخلاق،همّهم" تنغيص" حياة الشعب العربي الفلسطيني الذي يقاوم القهر والظلم،وهم (أي المفتشون) لا يدرون بأن للظلم نهاية،وارادة الشعوب فوق كل قوة،فهم يؤمنون(الفلسطينيون) بصدق وعدالة قضيتهم التي لا مفر من تنفيذها مهما طال الاحتلال ومهما طال الظلم.فقد كانت أم   حسن تقول:

من تحت الركام نُخرج مقاومين

   من أرحام الأمهات نخرج مدافعين 

نظرت أم حسن حولها بعد هدوء العاصفة علّها تجد الكيسين،فلم تدرِ مَنْ أخذ الكيسين ولماذا؟!! 

وبعد فترة قصيرة تقدّم نحوها فتى وقال:يا ستي شو اسمِك؟

أنا اسمي أم حسن يا ستي من مخيّم الجَلَزون.

أنا يا ستي مش حرامي ولا لص،أنا بخاف ربي. أنا بشوفِك كتير هون بتيجي تتبيعي المنتوج،وأنا خفت عليكِ من مفتشي البلدية،لأنو فِش في قلوبهم رحمة،عشان هيك أخذت الكيسين أنا وأخوي وخبيناهن عند جارنا أبو الخير في دكانتو،إسّا برجعلِك إياهن.

إرتاحت أم حسن لسماع أقوال الفتى وقالت:والله صَدَق أبو حسن لا بدَّ للفرج أن يحلّ وأن نحصل على حقوقنا ما دام في هيك نخوة وشجاعة عند أطفالنا،الله يخليهم إلنا ولوطنا.   

                                                                                     عبلين