يوم الخميس الموافق
02/05/2024
الصفحة الرئيسية اجعلنا صفحة البداية اضفنا للمفضلة





























26/07/2011 - 10:09:18 am
المناضلة الجبّارة بقلم جاسر الياس داود جليليات (6)

تدخل الى مكتبة الجامعة بخطوات متزنة،تنظر الى رفوف المكتبة باحثة عن كتب لوظيفة جامعية،يجب عليها تقديمها أو تسليمها قبل نهاية الفصل الأول في السنة الدراسية الجامعية.

تقلّب الكتب تقرأ في هذا وتترك ذاك،ثم حملت بين يديها مجموعة من هذه المصادر،وسارت متجهة نحو طاولة قريبة من موضع جلوسنا،نظرت الينا وطرحت السلام بآداب واحترام فرضت منه احترامنا لها،فكان الرد بأحسن منه.

انها جميلة،نعم جميلة المنظر،سأل الواحد منا الآخر:أتعرف مَنْ هذه الفتاة؟وماذا تتعلم؟

الأغلب يجهلها،ولكن أحد زملائنا من الطلاب يعرفها  بحكم اشتراكه معها في بعض الدروس بالجامعة،انها تتعلم في كلية الآداب.أراد زملاؤنا معرفة المزيد والمزيد عنها من منطلق حب الاستطلاع لا أكثر ولا أقل.

في أحد الأيام قابلنا بالجامعة زميلة لها تتعلم معنا،فسألها أحد الزملاء عنها،فقالت:هذه جميلة.فقلنا لها:فعلاً هي جميلة المنظر والخلق والأخلاق.فقالت:هي اسمها جميلة،تتعلم في كلية الآداب. تركناهم أنا وزميلي منير وغادرنا المكتبة، بعد أن أنهينا بعض التصفح والقراءة في مصادر تحضيراً لكتابة وظائف جامعية خلال السنة الدراسية.

بقيت هذه الجميلة تعيش حياتها الجامعية كما رسمتها لنفسها،تعيش في تحضير دروسها،وتعيش أحداث مجتمعها العربي الفلسطيني في هذه البلاد،تُجادل وتُناقش وتُقارع كل مَنْ تسول له نفسه أن يمسّ كرامة أي فرد من أفراد مجتمعها العربي الفلسطيني" المقهور" كما كانت تقول في نقاشها،لكن الاستسلام لهذا الواقع لم يرد في قاموسها،فكانت تجاهد في مجال الدراسة الجامعية عازمة على الحصول على شهادة جامعية من الصرح العلمي الكبير،بالرغم من موقف بعض الأساتذة الذين لا يشعرون بما يشعر به المقهور والمظلوم،لأنهم يعيشون في أبراج من العاج،كما كانت تقول لنا في بعض اللقاءات القصيرة في مكتبة الجامعة،إذ لم يكن ليسمح لنا التحدث طويلاً داخل المكتبة،ولم يخطر ببالنا مرة من المرات الخروج الى الخارج والجلوس على الكراسي،لأن الوقت لا يسمح لنا،فالكل مشغول في التحضير للدروس.

كانت تتحدث باختصار،لكن كان هناك حمل ثقيل تحمله في داخلها،ولم يكن أحد منا يعرف ما هو!!!

أنهينا الدراسة الجامعية،وكل واحد منا سار في مسار يختلف عن مسار الآخر في حياته العملية والخاصة،وهنا بدأ مشوار الحياة العملية،كلّ يعمل في مجال مختلف، ولكن الأغلب عمل في سلك التربية والتعليم،كلّ منا بنى عائلة وهي كذلك. 

كانت ترتكز عائلتها على عمدتين،العمدة الأولى ربّ البيت الذي دفع ثمناً باهظاً في حياته بسبب مواقفه وآرائه ومبادئه السياسية. أما العمدة الثانية(إنْ صحَّ القول)فهي عتبة البيت،فقد أكملت مشوار العمدة الأولى، وكانت أمّاً مناضلة مثله في هذه الحياة المليئة بالأشواك التي تحاول دائماً منعها من الوصول الى مبتغاها،وهو قطف بعض الأزهار لتشمّ عبقها وأريجها الفواح.لكنها قاومت وقاومت هذه الأشواك سوية مع شريك حياتها،يدفع الواحد بالآخر الى الاستمرار في هذا النهج في هذه الحياة المستمرة،التي لا ولن تتوقف بأيامها الحلوة والمرّة،بنهاراتها ولياليها،بمسراتها ومآسيها،وكانت تقول:لا بُدَّ من الفرج.

هكذا ربَّتْ أولادها على عدم التنازل عن المطالبة بالحقوق،وفي نفس الوقت عدم الرضوخ لأيّ ضغط من الضغوطات مهما كلّف الأمر من تضحيات.فكانت هي وشريك حياتها يربون أولادهم على الفضيلة والتحلي بالأخلاق الحميدة والتصرف بحكمة وبصورة جيدة وحسنة،وعدم الاقتراب وواجب الابتعاد عن طريق الشرّ والأشرار.ربّوهم كما يقول المثل الشعبي( كل شبر بندر) حرصا على التربية السليمة التي منها يستمدون في المستقبل مسارات حياتهم العملية والمهنية.هذه التربية التي ستفرض احترام الغير لهم،لأنهم يبادلونهم نفس الاحترام- الاحترام المتبادل – والذي على أساسه يَحِبونَ ويُحَبونَ.

لم تدرِ هذه الأم الجميلة بأن القدر يتربص لها بأمر من الأمور.قاومت كثيراً هي وشريك حياتها بكل ما آتاهم الله من قوة وصبر،قاوما الذلَّ والتعذيب النفسي والجسدي،قاوما التفكير بالرضوخ للمذلة التي أرادها لهما المتغطرس الجبار صاحب القوة الزمنية،قاوما النبذ والابتعاد عن شعبهم المقهور،فهما شربا أو رضعا من حليب الأمانة والوفاء،فكيف لهما أن يخونا هذه القيم؟!!!

الوضع في ذلك اليوم غير مريح،فشعبنا المقهور في هذه البلاد في هبة شعبية ضد الظلم والاستعباد،ضد مصادرة الأراضي واستباحة حرمة الأوقاف المسيحية والاسلامية في هذه الديار المقدسة.

جلست في بيتها تفكر ماذا تفعل كي لا تخسر في هذه الهبة مرة أخرى،ما خسرته في حياتها وضحّت بها من أيام قهر وظلم،قاصدين منها كسر شوكة عزتها وكرامتها وتمسكها بالأخلاق والتربية الحميدة التي ورثتها من والديها ،وهي بدورها ربَّت أولادها بحسب أسسها هذه.

لجَّت كثيراً في أعماق أعماقها وهي تتساءل:كيف لي أن أحمي بيتي؟ وإذ بأصوات مدوية من مجموعة من الشبان يصرخون :قتلوه أولاد الحرام،إنّهُ تحت شجرة الزيتون يتضرّج بدمائه الزكية التي ارتوت منها أرض الآباء والأجداد.

فصرخت: ويلي لا لا ليس ابني. عاشت أصعب اللحظات وتفتتت أعصابها من التفكير:مَنْ يكون هذا الشهيد؟

لا أحد يعرف،وبعد وقت ليس بقصير،وصل الخبر الى مسامعها:سقط ابنها النديّ

الذي استبشرت هي وعائلتها به خيراً شهيداً،يروي بدمائه الزكية شجرة الزيتون التي دافع عنها جدّه ووالده،فجاء دوره ولكنه لم يعرف بأن دوره يختلف بشكله وبنهايته عن دورهم فودّع الحياة الأرضية الفانية لتعانق روحه أرواح الشهداء الذين سبقوه الى جنة الخلد،حيث نهر الكوثر والرضوان ليمسح بالماء المقدس وجهه الطاهر.

                                                                                   

                                                                                


تعليقات        (اضف تعليق)

* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مسؤولية التعقيب تقع على عاتق المعقبين انفسهم فقط
يمنع ادخال اي مضامين فيها اي تجاوز على قانون منع القذف والتشهير او اي قانون آخر
فيديو عبلين |  اخبار عبلين |  دليل عبلين |  عن عبلين |  العاب اونلاين |  للنشر والاعلان |  من نحن |  اتصل بنا | 
Online Users
Copyright © ibillin.com 2007-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع عبلين اون لاين
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com