يوم الخميس الموافق
02/05/2024
الصفحة الرئيسية اجعلنا صفحة البداية اضفنا للمفضلة





























17/07/2011 - 01:14:53 am
التشنج في حوارنا حول التسامح...!سهيل جميل الحاجّ

منذ أسبوعين، أعيش تجربة رائعة في مدينة تامبا / فلوريدا – الولايات المتحدة، في بلد نطلق عليه في شرقنا الحبيب: "الطاعون"؛ "العنصرية"؛ "الرأسمالية"؛ "مصاصة دماء الشعوب"؛ "الاستعمار الجديد" وغيرها من الألقاب والتسميات. أنظر إليه (إلى هذا البلد) من خلال الأخبار المتلفزة بالبث المباشر، فأرى الرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيته ووزير دفاعه ورئيس مؤسساته الاستخباراتية، كنت أرى كيف تستولي هذه الدولة على مقدرات وكنوز الشعوب العربية وغير العربية لصالح رأس المال الأمريكي الذي يحوّل هذه العائدات إلى أسلحة مدمِّرة موجَّهة إلى شعوب المنطقة وغيرها من مناطق العالم. وأريد أن أشارككم هذه التجربة عن الناس بعيدًا عن السياسة...

واليوم أنا أسكن في حيٍّ سكانُهُ -من جهة الأصل- من خلفيات إثنية واجتماعية ودينية مختلفة: المكسيكي؛ الصيني؛ الياباني؛ العربي (اللبناني، المصري، السوري، العراقي، الفلسطيني)؛ الإسباني، البرازيلي، الأرجنتيني، الأمريكي، وغيرهم... ذوو البشرة البيضاء والسوداء والسمراء والقمحية... المسيحيون بطوائفهم المختلفة: الكاثوليك، الأرثوذكس، الموارنة، الأقباط، المعمدانيّون، السريان، البروتستانت، المثوذست، اللوثريون، المورمون، والعديد من الطوائف المسيحية الأخرى... المسلمون، اليهود، البوذيون، الهندو (هكذا يطلقون عليهم)، والذين لا ينتمون الى دين. مجتمع متعدد الثقافات تجمع أفرادَهُ هويةٌ واحدة: أنا أمريكي. هكذا يجيب من تسأله عن هويته. رأيت مسيحيًا متزوجًا من بوذية، ورأيت مسلمًا متزوجًا من مسيحية، ورأيت صينيًا متزوجًا من إسبانية، ورأيت كاثوليكيًّا متزوجًا من أندونيسية مسلمة، ورأيت أمريكيا من أصل إفريقي متزوج من أمريكية بيضاء... والكثير  من هذه الحالات. شاهدت الموظفين في مكتبِ صِهري ومضيفي من أصول مختلفة: العربي الفلسطيني، بجانب العراقي، وآخر يهودي، وأخرى من أصل إفريقي، يابانية ومكسيكاني، كل هذه التنوعات الإثنية والثقافية التي ذكرتها يقولون عنها هنا في أمريكا إنها فسيفساء جميلة تثري الحياة الثقافية التربوية والاجتماعية وتجعل الحياة أكثر إثارة وجمالاً! هكذا ينظرون الى هذه الحالة. وحين تسأل الياباني عن أصله ومن اي بلد هو، يقول إنه ولد في البلد اليابان وولد لأب بوذي....! وهكذا مع الأسئلة الأخرى المتعلقة بالدين والمنشأ وغيرها من الأسئلة وجدتهم يستغربون هذه الأسئلة ولماذا تهمّ الآخر ليسألها؟؟!! وماذا يهمهم أن تسأل؟ يهم الإنسان أن تسأله عن إنجازاته الشخصية، عن أسرته، عن الأماكن التي يحبها أو لا يحبها، أين سيقضي إجازته الأسبوعية أو السنوية؟ سمعتهم يتحدثون في السياسة الداخلية المتعلقة بإنجازات الحكومة في موضوع المعيشة وتأمينات الصحة والشيخوخة، ويتساءلون عن سبب دعم الحكومة للحرب ويعترضون عليها بالكتابة اليومية للرئيس ولوزيرة الخارجية ولمسؤولين آخرين، يتواصلون من ممثلي الجمهور في الحكومة المحلية والفدرالية، و"الغريب العجيب" أن ممثلي الجمهور يجيبون عن الأسئلة بصدق وبسرعة!

رأيتهم يتناقشون ويتحاورون في أمور عدة، في الأمور السياسية والدينية والاقتصادية، ويحتدّ النقاش أحيانًا، لكنّ المبدأ الأساسيّ للنقاش هو احترام الآخر، والحوار يتخذ منحى فيه كل مقومات حرية الرأي والاحترام للرأي الآخر المخالف.

أكتب هذه الكلمات وأنا أنظر من بعيد الى ما يحدث في قريتي الحبيبة كنموذج للمجتمع العربي الكبير. أنظر إلى حوارنا المتشنج الذي يجري على صفحات الفيسبوك أو المواقع الإلكترونية، الذي يعبر عن رأي الكاتب الشخصي فيصبح هذا الرأي معبرًا عن طائفة! نكتب عن التسامح الديني وكلماتنا مليئة "بالمتفجرات" من مفردات وعبارات لا تعبّر عن هذا التسامح. نتحاور بتشنج يتعبنا ويتعب نفسيتنا ويؤثر على علاقاتنا الاجتماعية، وهكذا نرى تفكك الوشائج الحميمة التي كانت تربطنا كجيران وأقرباء وأصدقاء وأبناء بلد، ونهرب من مواجهة أنفسنا بالحقيقة لنتهم الانتخابات بأنها السبب في هذا، مع العلم أنّ الانتخابات جاءت لتنمي الاحترام والتعبير عن الرأي بحرّيّة.

 إني مقتنع تمام الاقتناع بأنّ فراغ الساحة من الهوية الوطنية يفسح المجال للهويّات الثانوية (وهي مهمة) بالظهور والتغلب على الشعور الوطني، فتصبح الهوية الطائفية هي المعبرة عن الأحاسيس والأفكار، ونتعامل مع الآخر بناء على انتمائه الطائفي ضاربين عرض الحائط بعلاقات الجيرة الحسنة والانتماء الوطني، ولا نهتم للتخصصات والشهادات والمهارات والقدرات التي يتمتع بها هذا الآخر، بل نحكم عليه بانتمائه الطائفي!

الدين هو الطريق الصحيح للتعامل مع الآخر، وهو ما منحنا إياه الخالق كي نعيش حياة سعيدة، ويا ليتنا نتعامل مع بعضنا البعض بما يرضي الله، ونتعاون على مصاعب الحياة بالقدرات مجتمعة لنحسن من وضعنا المعيشيّ الصعب!

 وأستغرب كيف استطاع هؤلاء الناس في أمريكا القادمون من مجتمعات مختلفة وثقافات مختلفة وديانات وطوائف مختلفة، أقول كيف استطاع هؤلاء تجاوز هذه الحواجز "الصعبة" والعمل معًا لما فيه الخير للجميع! ألا يستحق الجميع العيش بسعادة وراحة نفسية؟! مئات الملايين يعيشون حسب قواعد إنسانية قوامها الاحترام للإنسان والتنافس بينهم ("إنْ كثَّرَتْ")في موضوع  البيت الأجمل أو الحديقة الأجمل!

قابلت بعض الناس المتدينين من عدة طوائف موحدة وغير موحدة، ولم يواجهني أحد منهم بسؤال عن هويتي الدينية أو القومية! سألوني عن عملي واهتماماتي، أما السياسة الخارجية فاهتماماتهم بها قليلة جدًّا.

 العمل الصحيح هو الذي يعطينا طعمًا جميلاً للحياة ويبيّن مدى وعمق الإيمان لدى الانسان، وليس التباهي بالانتماء الديني الذي يخلو من العمل الصالح.

          والعمل الصالح؟ ما هو العمل الصالح حسب رأيك؟ ليتنا نتعاون على فهم هذا الأمر والباب مفتوح للنقاش والتعبير، لأننا هكذا نوضح لأنفسنا وللآخرين معنى الإنسانية الحقيقي، فنحول المعنى الى تجربة تعود بالفائدة على سكان قريتنا وعلى الجميع...

...لأنّ عبلّين تستحقّ أكثر...

                                                                                     



تعليقات        (اضف تعليق)
1
نبيل
عبلين
17/07/2011 - 01:35:59 am
كلام جميل جدا


* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مسؤولية التعقيب تقع على عاتق المعقبين انفسهم فقط
يمنع ادخال اي مضامين فيها اي تجاوز على قانون منع القذف والتشهير او اي قانون آخر
فيديو عبلين |  اخبار عبلين |  دليل عبلين |  عن عبلين |  العاب اونلاين |  للنشر والاعلان |  من نحن |  اتصل بنا | 
Online Users
Copyright © ibillin.com 2007-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع عبلين اون لاين
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com