يوم الخميس الموافق
02/05/2024
الصفحة الرئيسية اجعلنا صفحة البداية اضفنا للمفضلة





























16/07/2011 - 05:07:17 pm
خضَبَتْ كَفها بدَمِه بقلم جاسر الياس داود جليليات (5)

إغرورقت عيناها بدموع الحزن والفرح في آنٍ واحد،فقدَتْ عمدة وركيزة البيت لا نتيجة مرض أو إهمال ما أو بسبب ضربة طيش،بل كان مستبسلا يدافع عن بلدته التي غمرته بخيراتها خلال أيام حياته قبل هجوم المحتل والمستعمر.فقد أكل الدهر والعمل في أرض بلدته لحم يديه ولم يَئِن أو يغضب،وكان يقول لأولاده:" أعطوها بتعطيكو،شوفوها كيف بتضحك لما بنحرثها بالسكة والفدان،شوفو هاللوز والرمان منوِّر بزهوره لأنّا بنعتني في،شوفو هالخيرات اللي بتهل علينا،لأنّا بنجود عليها وهي بدورها بتجود علينا،الشكر لك يا رب على هذه النعم." 

نعم،جلست تتذكر هذه الكلمات والدموع تسيل على وجنتيها حسرة على فراقه المبكر،فهو لم يفرح بفرح جميع أبنائه،الذين ربَاهم معها سوية على الفضيلة وعمل الخيروالابتعاد ومقاومة أعمال الشر.

نظرت الى يدها "الملفوفة" بقطعة قماش أبيض ظهرت عليها بقع من الدم،ابتسمت وشخصت بعينيها الواسعتين النجلاوتين (نجلاء العينين) نحو الأفق البعيد وقالت: "الحمد لله انك قضيتَ شهيداً تدافع عن تراب الوطن،لا خنوعاً منكسر القلب والجانب،انك بطل تستحق الزغرودة،فزغردت بصوتها الشجي زغرودة، جعلت أبناءها ونساءهم يخرجون مسرعين لمعاينة الحدث الذي من أجله زغردت أمهم ،

ولم يمر وقت طويل على فقدانها لشريك حياتها.

خرجوا كلهم من غرفهم،إذ كانوا يسكنون الثلاثة من الأبناء المتزوجين في بيت واحد،لقصر اليد وصعوبة المعيشة والحياة.خرجوا ونظروا فلم يجدوا شيئاً في الخارج،لا رجل ولا امرأة أو أي شخص،فتساءلوا:زغردتْ والدتنا ولِمَنْ؟!!

لم يجرأ أحد منهم على طرح السؤال عليها،وإذ بأخيهم الرابع الأعزب يحضر من بيت العائلة،ويتوجه اليهم سائلاً:ما هذه الزغاريد؟ هل هناك زوجة من زوجاتكم حَمَلَتْ بطفل أو طفلة؟

أجاب الأخ الأكبر وهو يتحسر لمشاهدة الوالدة تجلس فوق حجر على رأس قطعة الأرض أو المارس كما يسميه الفلاحون،الذي فوق ترابه لفظ والدهم أنفاسه الأخيرة، وهو يردد ويقول لزوجته التي احتضنته بذراعيها وضمّته الى صدرها،وهي لا تعرف بأن هذه اللحظة هي لحظة الوداع الأخير في هذه الحياة الأرضية الفانية:

إوْعِك يا أم أولادي تفرطوا بشبر من هاي الأرض الغالية،هاي أمانة من أبوي وأجدادي إلكوا،ديروا بالكوا عليها كثير،ثم أسقط رأسه في حضنها كالطفل الذي يغفو

في حضن والدته بسلام.

قال الأخ الأكبر: هناك أبونا استُشهِد،لهيك أمنا بزغرد لشهادته،لأنها بتفتخر في وبشجاعته وإخلاصه للوطن.

توجَّه الابن الصغير الأعزب المدلل الى والدته قائلاً: يا والدتي هذه( قطعة القماش المبرقعة ببقع الدم) أصبحت متسخة ولها رائحة غير حسنة!!

أجابته قائلة: إسمع يا ابني،أنا مش راح أنزعها عن إيدي،تيبشّرني محامي الأرض أبو طوني إبن حيفا،الله يخليه لشعبه،إنو الأرض اللي دافع عنها أبوك وغيره قد رجعت إلنا،لأنا إحنا أصحاب الحق واللي بركض وراء حقه ما بضيع أبداً.ومتنساش يا ابني إنو هاي القطعة هي من قماش قميص أبوك اللي أستشهد وهو لابسه،عشان يضل يذكرنا بغلاوة الأرض والوطن.

نظر الابن الى والدته بحنان وفرح،ثم مدَّ كلتا يديه الى رأسها مقرِّباًُ اياه الى شفتيه وقبَّله قبلة حارة وقال: عشتِ يا أم الرجال،سنكون عند حسن ظنكِ،وسنحفظ أمانة الوالد ليستريح في الثرى الذي احتضن جسده. وأكمل بلغتها التي تفهمها جيداً:شو رايك يا ميمتي تخلعي قطعة القماش عن إيدِك،وتحفظيها بكيس من نايلون أو من خام ،وتشليها في قرْنِة من قرن بيتنا،ولمّا تشتاقي لأبوي الشهيد،بتطلعيها من الكيس وبتتباركي منها؟

ابتسمت الأم وقالت:الله يرضى عليكو يا أولادي،إذا أخوكو المدلّل بحكي هيك،معناه فش خوف على الأرض.

نهضت الأم من فوق الحجر الذي جلست عليه أو فوقه،وسارت نحو بيتها وهي تربت على كتف ابنها وتترضى عليه وعلى إخوته،الذين ما زالوا واقفين إذ أصابتهم الدهشة ولم يعرفوا كيف استطاع أخوهم الصغير أن يقنع والدتهم العودة الى البيت بهذه السرعة،وهي التي كانت تجلس الساعات يومياً فوق هذا الحجر الشاهد على استشهاد والدهم؟!!!                                                                                 

 

                                                                         عبلين    


تعليقات        (اضف تعليق)

* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مسؤولية التعقيب تقع على عاتق المعقبين انفسهم فقط
يمنع ادخال اي مضامين فيها اي تجاوز على قانون منع القذف والتشهير او اي قانون آخر
فيديو عبلين |  اخبار عبلين |  دليل عبلين |  عن عبلين |  العاب اونلاين |  للنشر والاعلان |  من نحن |  اتصل بنا | 
Online Users
Copyright © ibillin.com 2007-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع عبلين اون لاين
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com