يوم الخميس الموافق
02/05/2024
الصفحة الرئيسية اجعلنا صفحة البداية اضفنا للمفضلة





























2011-05-26 18:10:32
الحكيمة ُ ... وَلوْ بَعُدَتْ بقلم جاسر الياس داود
-
تجلس على كرسي صغير، تضع ( تتقمط – كما تقول النساء بالعربية الشعبية) فوق رأسها المنديل المزركش بألوان الحياة الدائمة والمستمرة، تحدق بنظرها وتتفقد حبات القمح الطازج الذي أحْضِرَ بعد الحصيد من الحقل قبل يومين.
رائحته ما زالت زكية تعبق برائحة ثرى الحقل الذي نبتت ونمت فيه، رغم قلة الأمطار التي هطلت في موسم الشتاء الفائت أو السابق. لكن يد هذه الجليلية التي حملت حبات هذا القمح لزرعها، هي التي دبَّت الروح والبركة فيها، فأثمرت سنابلها بوفرة وعطاء سخي.
نعم، كانت تقول دائماً: بالقليل من الإيمان تحصل على االخيرات الكثيرة، وبالقناعة نحمل قلباً نقياً لا يحب إلا الخير لنا، نحن الذين نناضل ونقاوم ونجابه الظالم والظلاّم من أجل المحافظة على لقمة العيش الكريمة لنا ولأبنائنا وأحفادنا. أنظروا اليه فإنه يلمع كالتِبْرِ لكنه أغلى منه، لأنه هو أساس حياتنا وبقائنا في وطننا الغالي، فالتبر يزول أما حياتنا فبواسطته (أي القمح) تبقى في ديمومة واستمرار.
كانت تجلس بجانب البوابة المُقوَّسَة، التي تشهد على حقبة طويلة من الزمن لتاريخ هذا الحوش (الحي) الساكنة فيه هي وعائلتها، فهي تعشق هذه الأجواء لأنها تقول : اللي ما إلو ماضٍ ما إلو حاضر ولا مستقبل.
انها أمٌ وتعيش الأمومة بكل جوارحها، وتعيش الى جانب الأمومة حياة ربة البيت التي تحاول دائماً توفير الجو العائلي لزوجها وأولادها وبناتها، لكي يشعروا بالراحة والهدوء الذي يُحمِّسهم على الدراسة والتقدم والنجاح في مستقبلهم العلمي.
لم تحظ َ بنصيب من التعليم الجامعي، لكنها تعلمت وتثقَّفت بذات نفسها، لأنها صمَّمت على قهر الظروف التي وقفت عائقاً ومانعاً من نيل العلم والثقافة الأكاديمية. فهي أرادت مستقبلاً ناجحاً لزوجها ولجميع أفراد عائلتها، فكان لا بدَّ لها أن تُلمّ في نواحٍ عديدة من هذه الحياة التعليمية، الثقافية، الاقتصادية والسياسية. قرأت الكتب في مواضيع مختلفة، وكانت تتابع الأحداث المحلية والعالمية، وكانت تقول: على الأم في مجتمعنا العربي الفلسطيني في هذه البلاد، أن تعي بأن الخمول سيؤول الى ضياع الهوية التي يجب المحافظة عليها بسلاح واحد لا غير وهو نيل العلم والثقافة.   
لم تكن هذه الجليلية لتعرف المراوغة والمجاملة في الحديث مهما كان نوعه أو المتحدث به، تبدي رأيها داعمة إياه ببراهين، تسمعُ وتُسمِعُ باحترام متبادل، لا يعرف قلبها الحقد أو الغضب، فإنْ لم يعجبها حديث ما، تناقش المُتحدث بحزم وعزيمة الرجال وتحدي النساء، تبقى في مركز الحديث حتى يقتنع المُناقِش. وإذا كان رأيها في موضوع ما من رأي المُناقش، كانت تقول بصوت نقي لا تأتأة به:" هذا الصّح" وتشير بيدها الى المُناقش أو المتحدث داعمة إياه بهذا الموقف.
أحبّت شعبها بكل شرائحه، وكانت تتعاطف معه في محنه ومصائبه ومشاكله. ولم تكن لتتأخر في إبداء رأيها أمام قواد شعبها، تُناقش وتحاوردون تلعثم، وكانت تقول عندما تسأل بالهاتف:مَن المتكلمة؟
كانت تجيب: واحدة من الشعب. لأنها تريد أن يكون الحوار موضوعياً وهادفاً، لا مجاملة بالحديث لأنها فلانة وزوجة فلان أو ابنة لعائلة فلان.
بًَعُدَتْ بالجسد بعد أن هيأت كل المكونات لزوجها وافراد عائلتها، فافتقدناها كإنسان حكيمة.  
-
جليليات (2)


تعليقات        (اضف تعليق)

* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مسؤولية التعقيب تقع على عاتق المعقبين انفسهم فقط
يمنع ادخال اي مضامين فيها اي تجاوز على قانون منع القذف والتشهير او اي قانون آخر
فيديو عبلين |  اخبار عبلين |  دليل عبلين |  عن عبلين |  العاب اونلاين |  للنشر والاعلان |  من نحن |  اتصل بنا | 
Online Users
Copyright © ibillin.com 2007-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع عبلين اون لاين
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com