لا أدري مدى استساغة الإستهزاء الهادف في شهر رمضان ،، شهر نقاء وصفاء الروح !! .. لكن ّ روحي تأبى إلا أن تثرثر وتنفض ما في داخلها من غباركلام قد تناثر في حنايا نفسي !!.. فكشأني من عباد الله الصائمين في هذا الشهر الفضيل،، أظن ّ أنني من أفضل الناس خلقا ً ومنطقاً وحسن سلوك !!ـ وقد آليت ُ على نفسي ،،أن أفضحها وأخرج كل ما فيها لتكون عبرة للغير !! .. فما أسهل صيام المعدة عن الطعام !!..كيف لا وأنا ألتهم على السحور ما لذ وطاب من الطعام ،، وأملأ معدتي حتى التخمةبالفطور !!.. ثم ألحقها بشتى أصناف الحلويات والفواكه والمكسرات في ما تبقى منالليل ،، فكيف أجوع وأعطش ؟؟؟ .. أما نهاري ،، فأقضي أكثر من نصفه نائماً إمــّا فيالبيت وإمــّا في المسجد !!.. والنوم في المسجد أجمل وأرق وأهدأ !!... فلا علي ّ إنشخرت ُ قليلا ً وأزعجت البعض ،، فليس على النائم حرج !! .. أما العمل ،، فلا حاجة ليفيه في رمضان ،، لأن الله لا يكلف نفسا ً إلا وسعها !!ـ ،، فلنرتح في رمضان ولنعمل فيغيره ،، فالعمر طويل ،، والعمل لا ينتهي !!ـ ،، والنــّوم في النهار يعين على صلاةالتراويح التي ينقرها الإمام نقرَ الدّيك ،، فلا يزيد وقتها عن العشرين دقيقة !!.
ناهيك عن ملاحظاتنا الكثيرة ونحن لم نغادر عتبة المسجد بعد عنلحنه في القراءة وعن صوته البشع وعن خطئه المتكرر ونسيانه الكثير !! .. ثم ّ إننيخرجت ذات نهار بعد أن طــُردت من البيت لكثرة نومي ،، لأقوم بجولة في سيارتي حتىأقتل بعض الوقت إلى أن يحين َ موعد ُ الإفطار !!ـ .. فرأيت فتاة جميلة متبرجة كأنها فينوس ،، تمشي وتتلوى كالأفعوان ،، وكأن لا شأن لها برمضان !!ـ... فرحت أتفحصها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها وشهوتي تفورتحت جلدي كقدر ما يغلي فوق لهيب الحطب !! ... ثم مصمصت شفتي ّ الجافتين وبصقت واستعذت بالله من الشيطان الرجيم وقلت : اللهم إني صائم !! ... وتذكرت أن الشيطان مصفد في أغلاله ،، وشهوتي هي الحرةالطليقة !!ـ ... لكني ألقيت باللوم أخيرا ً على هؤلاء الفتيات المتبرجات اللائي لميتصفدن ولم يخجلن ،، فينسين ّ الرجل َ رمضان وصيامه وقيامه ،، وبرأت نفسيالطاهرة الزكيــّة !!ـ .... وفي أثناء تجوالي قررت شراء بعض الحاجيات البسيطة !!.. فدخلت أحدالمراكز التجارية ورحت أرمي في السلة كل ّ ما أشتهي وأحب ّ ،، سواء أكنت بحاجة إليه أم لا !!.. هذا لذيذ ،، وهذا شهي بعد الفطور ،، وهذا جيد على السحور ،، وهذا مسل ّ أمامالتلفاز ،، فلم أصح ُ إلا ّ وانا أنقد العاملة أكثر من خمسمائة شيكل ،، وكأني أناولها إياها شكراً على استمتاعي بجمال وجهها ورقة حديثها معي !! ... مللت التجوالفعدت إلى البيت ،، وفي أثناء وقوفي أمام الإشارة الحمراء اقتربت مني سائلة من الضفة ،،فامتعضت ورحت أمثل دور الباحث عن الشواقل ،، ثم اعتذرت منها وقلت في نفسي : يخرب بيتكوما أكثركو ،، فايعينزي ّ الفش عالقش ،، ــعلى قولة أهل كفر مندا ــ بتخلوش بجيبة الواحد شيكل !! .. واصلت مشواري،، فمررت في طريقي عودتي بمجموعة أصدقاء يفترشون قارعة الطريق ،، فعرجت نحوهم لأقطع من الوقت شوطا ً آخر !! ... فوجدتهم يمزحون ويستغيبون فلان وعلان ،، ويغمزونويلمزون كل مــَن يمر بهم ،، فخضت معهم خوضا ً عظيماً حتى نشرنا كل غسيل وسخ لأكثرمن مائة رجل وامراة ،، على أكثر من ألف حبل وحبل !! ... ثم تطور الجدال بيننا ،، فغضبتورحت أشتم وأسب ّ وألعن حتى تجرأت على سب ّ الذات الإلهية !!ـ ... فاستعذت بالله من الشيطان مرة أخرى ،، واستغفرت الله كثيرا ً ،، وقرأت دعاء ختم المجلس علّ اللهيغفر لي ذنبي ،، ورددت : اللهم إني صائم !!
وعندما دخلت البيت كان قد بقي لأذان المغرب مايقارب النصف ساعة!!..ـفأحضرت القرآن لأقرأ ما تيسر من آياته ،، ورحت أرتل وأجوّد ،،حتـّى خيل َ لي أنني الشيخ عبد الباسط عبد الصمد ،، لكنني مللت بعض قراءة نصف صفحة !!..فجلست أمام شاشة الحاسوب ورحت أحادث صديقتي على المسن ،، فمرّ الوقت سريعاً ولمينبهني إلا صوت المؤذن يخترق أذنيّ معلناً أوان الفطور !! ... فوعدتها أن أعود إليها بعد الفطور مباشرة ،، وهي ألذ عندي من الفطور ذاته ،، لكن الجوع كافر !!... جلست إلى مائدة الإفطار وقد ازدحمت بالصحون ،، فاحترت ويدي تتنقل بينها أيهاأختار ومن أيها ألتهم !!ـ ... وقد قمت عنها وهي تكفي عشرة جوعى ،، لكن على مايبدو فإننا نفضل كسب الأجر والثواب في إطعام حاوية النفايات !!.. عدت ُ إلىصديقتي أحادثها ،، فداهمني أذان العشاء ،، فتململت امتعاضاً ،، وحدثتني نفسي الشريرة أن أؤجل صلاة العشاء والتراويح فيالمسجد ذلك اليوم ،، خوفاً من غضبها علي ّ إن تركتها للمرة الثانية !! ... لكني عندماتنبهت لموعد مسلسل باب الحارة ،، اعتذرت منها بأدب ،، لأنني لا أستطيع تفويت حلقةواحدة منه !! ... وبعد أن أرخى الليل سدوله السوداء الكثيفة الأخيرة ،، وبعد أنتأكدت أن ّ الجميع نيام ،، انتقلت إلى روتانا أغاني ،، لكن ّ وجه دارين حتشيتي لميرق لي كثيراً ،، فحولت عنه إلىقدّ هيفاء الممشوق ،، فراق لي الكلأالأخضر والماء العذب ،، ثم انتقلت بعدها إلى روتانا أفلام ،، فلم يرق لي الفلم كذلك ،، فاستقر أمري أخيراً على إم بي سي أكشن ،، فرحت أتابع الفيلم الشيق حتى موعد السحور !! ... وهكذاسيمر رمضان سريعا ً ،، رغم أنه لم يمض عليه سوى بضعة أيام ،، لأرتاح منالصيام ومشقته وحصره لشقاوتي وانفلاتي !! ... وكم ضحكت ــ وأنا أردّد معها منتشياً ومصدقاً ــ عندما تذكرت قول جدّتي رحمها الله : لو كان رمضان زين ما كان فراقو عيد !!!