يوم الاحد الموافق
19/05/2024
الصفحة الرئيسية اجعلنا صفحة البداية اضفنا للمفضلة





























2010-01-08 19:11:09
في الكتابـة والشهـرة والأهمّـيّة
** ألا تـرى أنّ ابتعـاد جمهور الـمتعلّمين عـن القـراءة يُـبعِد الأدبـاء عـن الكتابـة؟
- بلـى، لـكن في المقـابل إنّ رداءة مـا يُـكتَب ويُـنشَر تُنفِّـرُ الجمهـورَ مـن الـقراءة.
** ألـيس مهـمًّا أن نـنشر مـا نـكتب؟!
- قـد يكـون مـن المهـمّ أن نـنشر، لـٰـكنّ الأهـمّ أن نـنشر مـا هـو مـمتعٌ قيِّـمٌ جديـرٌ بالنشـر. في الذهـن أفكـار، بعضها راقيـة وذات أهمّـيّة وذكيّـة أو استثنائيّـة، وبعضهـا اعتياديّـة أو حمقـاء أو تافهـة؛ والـذكيّ الـذكيّ هـو مَـن استطـاع عنـد الكتابـة (إن كـان لا بـدّ منهـا) أن يُـقصي أو يُـخفي هٰـذه الأخيـرة -الاعتياديّـة والحمقـاء والتافهـة-، أو أن يتـخلّص منهـا. بـعض الأفكـار جديـر بـأن يُـكتَب، وبعضهـا جديـر بـأن يُـكْبَت.
** يـا أخـي، لِـمَ كـلّ هٰـذا التـشـدّد؟!
- هٰـذا مـا أنـا مقتـنع بـه! أنـا لا أتعمّـد التشـدّد.
** ألـيس مِـن الواجـب أو مِـن المستحَـبّ أن نشجّـع مَـن يـحبّ الكتـابة علـى أن يكـتب؟
- صحيح أنّه مـن الجديـر أن نـشجّع عـلى الكتـابـة...
** لـٰـكن...! لا بـدّ مـن "لـٰـكن"!
- لـٰـكن الأجـدر أن نـشجّع عـلى القـراءة أكثـر، وعـلى النشـر أقـلّ. النشـر يصبـح مهـمًّا حيـن يكـون مـا نكتبـه مهـمًّا. إن كـان دافـعُ النشـرِ الوحيـدُ أو الأوّلُ أو الأهـمُّ تحقيـقَ انتشـارٍ وشهـرة، فـالأَوْلـى أن نتّـعظ مِـن اشتهـار المجانيـن...
** المجانيـن؟! مَـن تـقصد: مجانيـن العقـول، أم العـقلاء المجانيـن؟
- لا أقـصد سـوى المجانيـن الحقيقيّـين.
** لا أظنّـني...
- لا تـظنُّ أنّـكَ قـد فهمـتَ. أَفْهـمُك. الأَوْلـى أن نتّـعظ مِـن اشتهـار المجانيـن الحقيقيّـين اشتهـارًا فعلـيًّا فـي كـلّ بلـدة وبلـدة. هـل تُـنكر أنّ مجانيـن بلدتـك (أو بعضهـم) هـم -فـي الغـالب- أوسعُ شهـرةً مـن معظـم المهمّيـن فـي بلدتـك أو مـن جميعهـم؟!
** لا يبـدو لي أنّي أسـتطيع التسـرّع في الإنكـار. مجنـون بلـدنا لا يـقلّ شهـرة عـن رئيـس بلديّتنـا. الحـقّ مـعك. معظـم عظمـاء العـالَم عبْـر التـاريخ ليسـوا مُـطْبِقي الشهـرة ذائـعي الصيـت. أنـا لا أنسـى أنّ أهـل بلدتـي يذكرون أسماء حمقـاهم وبُلْهَـهُم ومجانيـنَهم، ونـوادرَ هٰـؤلاء وطُـرَفَهم، أكثـر مـمّا يتناولـون عقلاءَهـم. بـل إنّـهم لا زالـوا يذكـرون ويتذاكـرون الراحليـن مـن هٰـؤلاء وأخبارهم...
- الأَوْلـى كذلـك أن نتّـعظ مِـن شهـرة مَـن يَظهـرن فـي شـاشـات الفضائـ[حـ]يّات العربيّـة مغنّيـاتٍ عارضـات لثقافـة اللحـم. لا نتمـنّى انتشـارًا كهٰـذا. لا يشرّفنـا. الشهـرة ليسـت دليـل عظَمـة بالضـرورة.
** لـٰـكن، يـا عزيـزي، لِـمَ تستكثـرُ علـى مجتمعـك أن يَكثـر فيـه حَمَـلةُ الأقـلام؟
- أتـمنّى أن يـكون حَمَلـة الأقـلام لدينـا كثيريـن، لـٰـكنّي لا أتـمنّى أن يكونـوا أكثـر عـددًا مـن القـرّاء! بـل دعـني أتـراجع كَـيْما أدقّـق... أتمنّى أن يتنـامى عـدد مَن يتقـنون القراءة، مَن يجيدونها... أتـمنّى ألاّ يـزداد حَمَـلة الأقـلام كـثيرًا... نحـن فـي حـاجة إلـى قـرّاء يكـتشفون الآداب الراقيـة. الأدب الـراقي يسـتحقّ الاكتشـاف. يسـتحقّ أن يُطَّـلَع عليـه. الأدب الـراقي يـرقى بالقـرّاء وبالمجتمعـات -ولستُ مكتشفًا حين أذكر هذا، فـالأدب يـرقّي الفكـر ويـرقّق النفـس...
** ومـاذا تتمـنّى كذٰلـك؟ أرى فـي محـيّـاك ظـلال تمنّيـات!
- أتـمنّى أن يكـون محبّـو الكتابـة وحمَـلَة الأقـلام أكثـر إقبـالاً عـلى القـراءة مـن القـرّاء أنفسـهم. إن لـم يكونـوا كـذٰلك، فـالأَوْلى أن يقـلّموا الأقـلام حـتّى التلاشـي.
** لـقد قـلتَ مثـل هٰـذا قبـل قليـل.
- وقلتُ كـلامًا مـماثلاً على مسـمع منـك قَـبْلاً، فـي أكثـر مـن منـاسبة. أعترفُ!
** ومـاذا عـن الآتـي؟
- قـد أقـول مثلـه إن استدعـت الحاجـةُ؛ وليتهـا لا تسـتدعي! قـد أقـول، إن لـم أمـلّ التكـرار؛ وليتنـي أَمَـلُّ، لئـلاّ أُمَـلَّ أكثـر! أرانـا نقـول كـلامًا مـكرورًا لأنّ واقـع الكتابـة لـم يتغيّـر. صدّقنـي، يـا صديـقي، حيـن أقـول إنّ التكـرار والإسهـاب ليسـا مـن مُمْتِعـاتي. ورغـم ذٰلـك، أقـول وسأقـول دومًـا: اقـرأْ كثيـرًا، واكـتبْ قليـلاً، وانشـرْ أقـلّ!
** أصدّقـك، يـا صديـق. أنـا أعرفـك. لـٰـكن، دعـني أسألـك عـمّا خطَـرَ فـي بـالي للتـوّ. كـثيرًا مـا كُـتِب ويُكـتَب عـن الكتابـة، لا سيّمـا فـي السـنوات الأخيـرة. هـل مـن الطـبيعيّ أن تصبـح الكتابـة هي نفسهـا موضـوعًا للكتابـة؟
- لربّمـا كـان مـن دلائـل أزمتنـا الكتـابيّة أنّ الكتابـة قد غَـدَتْ موضـوعًا للكتابـة مُـلِحًّا شـائعًا...
** أإلـى هٰـذا الحـدّ...؟
- أنـا قلـتُ "ربّمـا"! لـيس لـديّ مـا يُـثبِت أو يَجـزم أو يَنصـب أو يَـرفع أو يَجـرّ!
** درس فـي النحـو العربيّ...؟!
- بـل درسٌ لـي أنـا فـي تـوخّي الحـذر ومحاولـة تجنُّـب إصـدار الأحكـام القاطعـة قـدر المستطـاع، ودرس لـك أنـت فـي ضـرورة الانتبـاه والامتنـاع عـن مقاطَعـةِ حـديث مسترسـلٍ!
** عـذرًا! لـمْ أقصـد إفسـاد الاسترسـال أو الإسـاءة إلـى المسترسِـل. لـٰـكن نحـن فـي محادَثـة، لا فـي مقابَـلة ولا فـي محاضـرة! أليـس كذٰلـك؟!
- بـلى. مُحِـقٌّ أنـت. أنـا مَـن علـيه أن يعـتذر. لا تؤاخـذني!
** مبـاراة في الاعتـذار...؟!
- ذاك خـيرٌ مـن خـوض مبـاراة فـي اخـتلاق الأعـذار!
** طيّـب! لنَعُـد إلـى هنـاك... قـلتَ إنّ كَـون الكتابـة قـد غـدَتْ موضـوعًا للكتابـة قـد يصـحّ اعتبـاره مـن دلائـل أزمتنـا الكتـابيّة...
- أجل، قد يصحّ. صحيـح أنّ ذٰلـك فـي بعـض الأحيـان قـد يكـون مـن بـاب "الـفنّ فـي مـرآة ذاتـه"، أو مـن قَبيـل "الكتـابة فـي مـرآةِ ذاتهـا"، حيـث الكتابـة -ممثَّلـةً فـي الكـاتب- تقـف إزاء نفسهـا في المـرآة محاوِلـةً أن تقـوم بمـا يمـاثل المصارَحـةَ والمكاشَفـةَ ومراجَعـةَ الـذات أو محاسَبتَهـا. هنـا تصبـح الكتابـة: مـوضوعًا كتـابيًّا، وطـرَفًا فـي "مَحكمـة"، ووسيلـةً لتنـاوُل هٰـذا المـوضوع ولمواجَهـة ذاك الطـرف...
** صحـيح... لـٰـكن...
- لـٰـكن مـن جهـة أخـرى، قـد تكـون الكتابـة عـن الكتابـة أحيـانًا تعبيـرًا عـن شـيء مـن الإفـلاس، أو تعبيـرًا عـن إحسـاس بالنضـوب، جـرْيًا عـلى مقولـة الفـارس العبـسيّ الشهيـرة: "هـل غـادر الشعـراء مِـن مُتَـرَدَّمِ؟". ومـن جهـة أخـرى (هي ليسـت ببعيـدة عـمّا أسلفنـا)، قـد تـأتي الكتابـة عـن الكتابـة تعبيـرًا عـن تَشـكُّك أو تشكـيك فـي مـدى جـدوى الكتابـة وفـي مـدى أهمّـيّتهـا.
** ليتـك لا تكـون عـلى صـواب فـي هٰـذا!
- ليتـني فعـلاً لا أكـون! لا نريـد للكتابـة أن تكـون افـتضـاحًا، ولا نتمـنّى لهـا أن تَكـون حالـة مـن الإفـلاس ولا الجفـاف. نريدهـا أن تكـون متعـةً وإمتـاعًا. نريدهـا رفـعًا وارتفـاعًا. نريدهـا أن تكـون رُسُـوًّا وإبحـارًا. نريدهـا كشـفًا واكتشـافًا.
** يا ليتهـا تَكـون!
- ليتهـا تَـكون!
عـبلّيـن 1/1/2010
hajhanna@gmail.com


تعليقات        (اضف تعليق)

* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مسؤولية التعقيب تقع على عاتق المعقبين انفسهم فقط
يمنع ادخال اي مضامين فيها اي تجاوز على قانون منع القذف والتشهير او اي قانون آخر
فيديو عبلين |  اخبار عبلين |  دليل عبلين |  عن عبلين |  العاب اونلاين |  للنشر والاعلان |  من نحن |  اتصل بنا | 
Online Users
Copyright © ibillin.com 2007-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع عبلين اون لاين
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com