مما يلفت الأنظار في السنوات الأخيرة ،، ظاهرة تشييد المساجد الكبيرة
والمبالغة في الإنفاق عليها من مآذن وقبب وفرش وتكييف وتزيين
وزخرفة ونقوش وإنارة فائقة وكتابات وألوان وما إلى ذلك من مصروفات لا داعي لها..
صرت ترى في كل حارة مسجداً لا يتجاوز عدد المصلين فيه في الصلاة الواحدة ملء الصف الواحد.. وأضحى كل مـَن هبّ ودبّ ينشد الإمامة
والمشيخة رغبة في حبّ الظهور والشهرة والزعامة ،، أو طمعاً في مخصصات تمنّ بها الدولة الرحيمة عليه آخر كلّ شهر .. وليت
هذه الدولة تحرص على إلقاء القبض على قطعان المستوطنين
السائبة التي تعيث في المساجد فساداً ودماراً ،، حرصها على
توظيف الأئمة الذين أصبحوا كالببغوات لا تفقه من حديثهم
شيئاً ،، أو تنصيب مؤذن صوته كنعيق غراب ...
فكل مـَن قرأ بضعة كتب في الدين وحفظ بعض الآيات القرآنية وقليلاً من أبيات الشعر والمواعظ صار مؤهلاً ليكون إماماً وخطيباً في المسجد..
وبات من الواضح جداً أن المساجد تنسب لعائلة فلان وعلان ، وإن نسبوها لهذا الصحابي أو ذاك .. فلربما سألت أي إنسان ساذج عن مسجد معين فإذ به يجيبك بابتسامة لا تخلو من معنى : مسجد عائلة كذا ؟؟ ... ناسياً أو متناسياً اسم المسجد الحقيقي ..
وللمقارنة فقط : لو عدنا إلى التاريخ لوجدنا أعمدة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم من جذوع النخل،، وسقفه من الجريد ،، وأساسه من الحجارة ،، وفرشه من الحصى !!..
ولربما يتحذلق متحذلق ويتفذلك متفذلك ويتفلسف متفلسف رافعاً صوته متشدقاً :" ولككنا تطورنا يا أخي ... ذاك عصر وهذا عصر " ..
والإجابة ليست من عندي ،، ولا من هوى في نفسي ،، بل أحيله إلى أعلم وأشرف الخلق صلى الله عليه وسلم ... فقد جمع الأنصار مالاً كثيراً في عهده ،، فأتوه به صلى الله عليه وسلم فقالوا : " يا رسول الله ،، ابن هذا المسجد وزينه .. إلى متى نصلي تحت هذا الجريد ؟؟.. "..
انظروا معي جلياً إلى الإجابة الحكيمة الزاهد قائلها في الدنيا وزخرفتها وبهرجها ... قال :" ما بي رغبة عن أخي موسى .. عريش كعريش موسى " !!..
اليوم يبنون المساجد للمباهاة والفخر حتى يقال : هذا أكبر مسجد في البلاد .. أو تلك أعلى مئذنة ... وهذه أضخم قبة .. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد " .. والله تعالى يقول : " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " ... ويقول : " ولا تبذر تبذيراً " .. ويقول : " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا " ..
وإلا فقل لي بربك : ما معنى أن تكلف مئذنة هنا أو قبة مسجد هناك مئات الآلاف من الدولارات ،، وملايين من البشر يتضورون جوعاً في كل بقعة من بقاع هذا العالم المقهور ؟؟!!..
حدثت أخت من إحدى المدن تقول : جاؤوا إلي يطلبون تبرعا لأحد المساجد ،، وكنت أنوي أن أتبرع لهم بمائتي شاقل ،، لكنهم استدركوا قائلين : لا نطلب خمسيناً أو مائة او مائتين ،، فعلى الأقل خمسمائة
شاقل !!... تقول : تفاجأت من وقاحة الطلب وقلت لهم عندها : لا
أريد أن أتبرع ولو بشاقل واحد ،، الله يسهل عليكو !!...
إن كان ولا بد من بناء المساجد ،، فليشيد مسجد واحد بسيط كبير في المدينة أو القرية يؤدون فيه صلاة الجمعة ،، ولينشأ مصلى صغير في كل حارة لأداء باقي الصلوات !!...
ما معنى أن نبني المساجد والنفوس مهدمة محطمة ؟؟.. ما معنى أن
نهتم بالبنيان ونغفل عن الإنسان ؟؟..
المساجد تعج بالمصلين ،، لكنهم كغثاء السيل لا يصلحون لشيء ،، بدءاً
من محدثكم وهلمّ جراً .. بينما كنت تجد رجلاً من الرعيل الأول بألف ألف رجل من زماننا ...
مصيبتنا تكمن في التربية وإعداد نشء صالح واع ،، لا بنقص في جدران وطوابق .. فهل نعي هذا ؟؟