يبدو أن التقارير الصحفية التي تحدثت في الفترة الأخيرة عن صفقة أمريكية لإبعاد دمشق عن طهران لم تكن تنبع من فراغ ، حيث خرج الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بتصريحات لا تختلف كثيرا عما تسرب من مضمون تلك الصفقة ، ففي 6 يوليو / تموز وخلال لقائه بوزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير في تل أبيب أعلن بيريز أن على الرئيس السوري بشار الأسد أن يفهم أن إسرائيل لن تسلم سوريا هضبة الجولان على "طبق من فضة" طالما أن دمشق تحتفظ بعلاقاتها مع إيران وحزب الله اللبناني.

ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن بيريز القول :" إنه يتعين على سوريا الاختيار ما بين استعادة هضبة الجولان ودعمها لإيران وحزب الله اللبناني ، على الأسد أن يفهم أنه لن يحصل على هضبة الجولان على طبق من فضة ويواصل في الوقت ذاته علاقاته مع إيران ويعمل على تقوية حزب الله".

وأضاف قائلا : "على الرئيس السوري أن يتوقف عن الخجل لأن من يريد دفع السلام من أجل أبناء شعبه عليه إجراء مفاوضات من دون شروط مسبقة، وعلى الأسد أن يجري اختيارا إستراتيجيا لأنه لا يوجد أي احتمال لأن يحصل على تنازلات إقليمية من جانب إسرائيل وأن يستمر باليد الثانية في إقامة علاقات مع حزب الله وإيران في إطار رزمة واحدة".

ودعا الرئيس السوري إلى البدء بـ"مفاوضات مباشرة بدون شروط مسبقة أو وسطاء" مع إسرائيل ، قائلا :" ينبغى على الأسد أن يفهم أن عليه الجلوس إلى طاولة المفاوضات إذا كان يريد سلاما حقيقيا ولا ينبغي عليه أن يتعلق بوسطاء وإنما الجلوس على طاولة المفاوضات بدون شروط مسبقة".

وتأتي تصريحات بيريز بعد أن ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في 27 يونيو الماضي أن الإدارة الأمريكية تدرس تقديم مبادرة جديدة للسلام بين إسرائيل وسوريا تنص على جعل هضبة الجولان منزوعة السلاح وتحويلها إلى منطقة طبيعية وتسميتها محطة السلام لتكون مفتوحة أمام السياح من إسرائيل وسوريا.

ووفقا للمبادرة ، فإن الانسحاب الإسرائيلي وتفكيك التجمعات الاستيطانية في الجولان سيكون خلال عدة سنوات تلتزم خلالها دمشق بوقف دعم حزب الله وحماس والتباعد التدريجي عن إيران.

وأوضحت الصحيفة الإسرائيلية أن القرار الأمريكي بإرسال سفير إلى دمشق يهدف لإطلاق مباحثات السلام بين سوريا وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة ومشاركة تركية.

ونقلت عن مصدر في الخارجية الأمريكية تأكيده أن دفع مسار السلام في المنطقة يتطلب فتح حوار مباشر مع سوريا لأن ذلك من شأنه أن يفتح الباب أمام حل جميع المشاكل في الشرق الأوسط .

وقبل ذلك وتحديدا في 25 يونيو الماضي ،  ذكرت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية أن تعيين الولايات المتحدة سفيرا لها في سوريا بعد غياب دام أربع سنوات يشكل أكبر دليل على رغبة الرئيس باراك أوباما بالحوار مع دمشق والتخفيف من عزلتها ومحاولة سحبها من نفوذ إيران التي يتزايد عزلها على المستوى الدولي.

وأضافت الصحيفة أن خطوة تعيين فريق كامل من الموظفين في السفارة الأميركية في دمشق هي بمثابة عملية تشجيع لسوريا التي عانت من سنوات من العزلة الدبلوماسية بسبب علاقاتها القوية مع إيران على المستويين التجاري والاستراتيجي.

وانتهت إلى القول إن الإدارة الأمريكية تأمل في أن ينجح الحوار مع دمشق في دفع الأخيرة لمواصلة محادثات السلام مع إسرائيل والابتعاد عن إيران.

وكانت سوريا أوقفت رسمياً المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل والتي عقدت بوساطة تركية في ديسمبر/كانون الأول الماضي خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة.

وصرح الرئيس السوري في الرابع والعشرين من يونيو/حزيران الماضي بأن إحلال السلام في المنطقة يتطلب شريكاً إسرائيلياً ملتزماً بالتوصل إلى اتفاق وفق مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ، لكنه أكد أن "هذا

الشريك غير موجود".

وفي مايو/أيار الماضي، قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم، إن أي عرض لاستئناف محادثات السلام بين سوريا وإسرائيل، سيكون بلا طائل إذا لم تلتزم إسرائيل بالانسحاب من مرتفعات الجولان المحتلة.

وفي المقابل ، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه مستعد لاستئناف المحادثات مع سوريا فوراً ، دون أن يقدم أي التزامات بشأن الانسحاب من الجولان المحتل.

ويرى البعض أن احتمال عقد صفقة بين دمشق وتل أبيب هو أمر مستبعد على الأقل في الوقت الراهن ، حيث أكدت سوريا مرارا أنها لن تضحي بعلاقاتها مع إيران مهما كان الثمن ، خاصة وأنها باتت تدرك جيدا أن إسرائيل لن تتنازل عن الجولان في إطار عملية سلام ، بالنظر لأهميتها البالغة في المشروع الصهيوني ، حيث قال حاييم وايزمن أحد مؤسسي إسرائيل في الرسالة التي وجهها إلى لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا بتاريخ 29 ديسمبر 1919 :"إن المنظمة الصهيونية العالمية لن تقبل تحت أية ظروف خطة سايكس ـ بيكو، حتى كأساس للتفاوض لأن هذا الخط لا يقسم فلسطين التاريخية وحسب، بل يفعل أكثر من ذلك، إنه يحرم الوطن القومي لليهود بعض أجود حقول الاستيطان في الجولان وحوران التي يعتمد عليها إلى حد كبير نجاح المشروع الصهيوني بأسره".

وفي السياق ذاته ، يقول ايغال الون منظر حزب العمل الإسرائيلي :" إن لهضبة الجولان ولمنحدر جبل الشيخ أهمية حيوية، لا من أجل الدفاع عن مستوطنات وادي الحولة ضد الرميات السورية فحسب ، وإنما أيضاً لحاجات إسرائيل الاستراتيجية الشاملة في الإشراف على الجولان، فهذا الأمر يتعلق بالدفاع عن الموارد الأساسية لمياهنا، وبالدفـاع عن الجـليل الأعـلى والأسفل، ووادي الحولة وبحيرة طبريا والوديان المحيطة بها ووادي بيسان ".

وفي الآونة الأخيرة ، قال شيمون بيريز ، مهندس مخطط "الشرق الأوسط الجديد" :" إن المياه قبل الأرض، ولو اتفقنا على الأرض ولم نتفق على المياه، فسوف نكتشف أن ليس لدينا اتفاق حقيقي" ، والمقصود هنا أن هضبة الجولان التي تعادل مساحتها 1%من مساحة سوريا الإجمالي تتمتع بمردود مائي يعادل 3% من المياه التي تسقط فوق سوريا، و14%من المخزون المائي السوري ، كما تسيطر مرتفعات الجولان ولمسافات بعيدة على مصادر مائية مختلفة مثل مجرى نهر الليطاني وبردى وبالتالي السيطرة على مصادر المياه الأساسية في لبنان وفلسطين وسوريا والأردن.

وبجانب أهمية مرتفعات الجولان للسيطرة على مصادر المياه الأساسية في المنطقة ، فإن هناك أيضا موقعها العسكري الاستراتيجي ، فهى تشكل خطورة كبيرة على أمنها ، حيث أنه بمجرد الوقوف على سفح الهضبة، يستطيع الإنسان من تغطية شمال إسرائيل بالعين المجردة لما تتمتع به الهضبة من ارتفاع نسبي ، ولذا لايتوقع أن تنسحب إسرائيل منها بسهولة.

فسيطرة إسرائيل على هضبة الجولان توفر حدودا يمكن الدفاع عنها من غزو بري ، كما يمكن إصابة أهداف في شمال إسرائيل بأسرها بنيران المدفعية من هضبة الجولان ، ولذا سرعان ما أقدمت على ضمها 1981 رغم الإدانة الدولية بالنظر إلى أنها أرض خاضعة للاحتلال ولا يحق لها ضمها .

والخلاصة أن إشارات السلام التي تلوح بها إسرائيل من آن لآخر لا تعبر عن حقيقة أنها ترفض إعادة هضبة الجولان حتى ولو لقاء اتفاق سلام مع دمشق ، وبالتالي فإن ما أخذ بالقوة لن يسترد بغير القوة سواء كان ذلك عبر مواجهة عسكرية جديدة أو من خلال تصعيد المقاومة في جبهة الجولان.