يوم الاربعاء الموافق
24/04/2024
الصفحة الرئيسية اجعلنا صفحة البداية اضفنا للمفضلة





























19/06/2013 - 08:37:14 am
مارسيل خليفة : صداقتي مع محمود درويش تحولت إلى حب
موقع عبلين اون لاين

أطل علينا الفنان مارسيل خليفة صحبة نجليه رامي وبشار في جولة شملت عدة مدن تونسية من قابس إلى الحامة فصفاقس وسوسة وحط الرحال أخيرا في تونس العاصمة بسهرة ختامية في المسرح البلدي اكتمل بها عقد الياسمين التونسي. "العرب” كانت لها جلسة مع الفنان الملتزم، والصوت الذي غنى الشعر وقربه من أفهام الناس وذائقتهم، وعبّر عن مشاعر الملايين من الحالمين بالحب والحرية.

يحملنا مارسيل خليفة على جناح الريح وأكتاف التمايز إلى قارات بكر من الأنغام والكلمات السابحة في ملكوت الوجود وإلى بحار ليس لها مرافئ، مصباحنا في كل ذلك موسيقى ثائرة منفلتة من دنس الواقع وأغان طبعت وعي أجيال وأجيال على غرار "يا حادي العيس″ و”قمر المراية” و”أحن إلى خبز أمي” و”عودوا أيها الموتى” و "يا بوليس الإشارة” و”جواز السفر” و”يا بحرية”، فضلا عن بعض المقطوعات الموسيقية الجديدة التي أهدى إحداها إلى شهداء تونس. وعلى هامش هذه الجولة كان لجريدة العرب هذا الحوار الشامل والخاص مع هذا الفنان اللبناني.

استهللنا الحديث مع مارسيل خليفة بالسؤال حول أصداء ثورات الربيع العربي وانفعاله بها. يقول: حملت معي ألمي والتزامي بقضايا الأمة، وقدمت مساهمتي في التعبير عن الألم في صناعة مستقبل إنسانيٍّ مختلفٍ يليق بنا ويترجم طموحاتنا.

أشعر الآن، وأنا أتابع شأن المواطنين العرب وكافة وقائع هذه الثورات الشعبية العارمة، أشعر بالمسؤولية تطوقني لكي أبوح بشعور الغضب تجاه حمامات الدم التي تغرق بها أجهزة القمع العربية مدننا وقرانا وشوارعنا، ردا وحشيا على مطالب جماهير شبابنا وكهولنا ونسائنا العادلة والمشروعة في الحرية والديمقراطية والغد الأفضل. أشعر بأن كل رصاصةٍ تطلق على شاب متظاهر، إنما تطلق على صدري، وكلّ هراوة تهشم عظام طفل تنهال على جسمي.
أشعر بالغضب والاحتجاج الصاخب والثورة الداخلية تنفجر في رأسي وفي وجداني ولساني، وأنا أرغب في أن أقذفها بوجوه القتلة والسفاحين، كأي طفلٍ وشاب وكهل، هناك في وسط الجموع، يناضل بإباءٍ وشموخ في صناعة مستقبل الوطن والأمة. أنا متضامن مع أولٰئك الملايين الذين يهتفون ويصرخون احتجاجا على القمع والموت. أنا منهم وفيهم. لا أبارحهم. دمي دمهم، صوتي صوتهم، مصيري مصيرهم. غنيت لهم ومنحوني الشعور بأنهم أهلي الذين يقووننا على صنع المستحيل.

أنا منهم، وفي مواجهة من يسفك دمهم. لا يمكنني أن أخون قضيتهم، إن ما يجري إنما هو مزيج من الملحمة والتّراجيديا؛ الملحمة التي انتصرت في تونس ومصر، وستنتصر في غيرها من بلاد العرب أجمعين، والتّراجيديا الدموية التي تحاول يائسةً أن تعتقل التاريخ. لا يمكن أن أكون إلا مع شعبي في كل قطر عربيٍ، لا أستطيع إلا أن أكون في معسكر الحرية والمطالبة بالديمقراطية ونبذ العنف. لا أقف هٰذا الموقف فقط لأني عربي وملتزم بقضايا أمتي. كنت سأقفه لو لم أكن كذٰلك. إنه، في المقام الأول، موقف إنساني قبل أن يكون موقفًا سياسيا.

فن الوهم

بين ورقة النوتة البيضاء، وآلة العازف، تولد الموسيقى وتخرج للناس. مارسيل يرى أن الخارق في الموسيقى هو عدم إمكانية تكرارها، الصوت سريع الزوال، يمر ولا تستطيع أن تستعيده عندما تشاء، ليس كاللوحة تراها والكتاب تفتحه، تختلف الموسيقى عن الكلمة المكتوبة لأن الموسيقى تولد فقط عندما يتم إصدار الصوت، الموسيقى موجودة في مخيلة المؤلف، تابعة لقانون الفيزياء، يتخيلها المؤلف في عقله، يستخدم التدوين الموسيقي بتلك النقاط السوداء على ورقة النوتة البيضاء المسطّرة وتولد الموسيقى فقط عندما تُعزف، لا يمكن تكرار الأداء بأي شكل من الأشكال، حتى لو تم تسجيله على شريط سيكون مختلفاً، ولا يكون الشيء ذاته، فعندما نكرر المقطوعة في كل مرة يكون الأداء مختلفاً، وعندما تنتهي المقطوعة يختفي الصوت. من الناحية الفيزيائية الموسيقى تختفي، تنتهي، ولكن سيمكننا أن نسترد الصوت بإعادة العزف، لكن لن تكون هي ذاتها، لن يكون الصوت ذاته، سيكون النهر ذاته بمياه مختلفة، وهذا ما يعطي الموسيقى ذلك الإحساس بالأزلية، إنه فن الوهم، عامل خلق الوهم بالموسيقى والصوت.

النقد الموسيقي

ولكن إلى أي مدى يمكن للنقد المميز للموسيقى أن يضيف إليها ويسهل عملية وصولها إلى المتقبل؟ المغني اللبناني يعتقد أن النقد الصحيح هو جزء من الجمهور، والناقد الموسيقي الذي يضع نفسه في مكان المستمع يستطيع تقنياً تحديد مصدر رأيه متسلحاً بالتجربة المقارنة التي كونها على إثر عمليات سماع متتابعة، هذا إذا اعتمد على علم الموسيقى وكان محصنا أكاديمياً، إضافة إلى ذلك إن الناقد عليه في الوقت نفسه أن يحمل في شخصيته شخصية الفنان مؤلفاً كان أم مؤدياً، فهو يضع رجلاً في كل جهة، أما معطياته تكون مرتبطة بين الأسباب والنتائج، فهي تحفظ الزائد في اتجاه وتوقفه في الاتجاه الآخر حتى لو تلعثمت كلماته.

 إن الناقد يستطيع المحافظة على وزن وقيمة إذ كانت الحجج التي يقدمها تملك هذا الوزن، عندما يقدم تقريراً عن حفل يرتدي الصحافي بذة الحاكم العام، يطرح اتهامات أحياناً، يخلي الحاكم العام المكان للمحامي، بالطبع إن أداء أو تأليف عمل لا يمكن أن يرضي كل الناس، إن الناقد الموسيقي لا يترك أي تفصيل يمكن أن يثير الانتباه، فهو عند وضع تقرير عن حفل موسيقي يلجأ إلى وصف الأوركسترا مفصلاً كل عازف على حدة مشيراً إلى قيمة عازفين معينين موجهاً ملامة إلى البعض الآخر، عند قراءة نقد فني جدّي عن عازف نستنتج أن النص يضيء لعب المؤدي، فهو يحدد إحساس مخيلة المستمع لأنك ربما استطعت إدراك كل ما أرادت مخيلة ذلك العازف الشاعرية إيصاله لك، تتعلّم على سبيل المثال كيف أن ذلك العازف يتعاطى مع الموضوع، هذا يؤكد جدية العلاقة، يدعم قناعتك ويشرًع لانطباعك، العازف يوصل إليك إحساساً والناقد الموسيقي يشرح لك صحة هذا الإحساس وهنا ينفذ الناقد مهمته ويظهر عن إفادته.

إن الكتابات النقدية اليوم هي حتماً مقروءة  بغثها و ثمينها، وإلاّ كانت غابت عن الصحف، إن الناقد الصحيح عليه معرفة تحديد مكامن الأشياء التي تعطي القيمة الحقيقية لحفل ما، لعمل موسيقي ما، أو الأشياء التي تقلل من تلك القيمة، عندما يبدأ أحد النقاد بتوجيه ضربات إلى الموسيقيين فهم يعرفون تماماً إذا كان مخطئاً أم لا، لا أعتقد بأن العدوانية تشكل الطريقة الأحسن في إقناع الموسيقيين بأنهم قصروا في مهمتهم، إن الاتهام يساهم في رص صفوف الموسيقيين الحقيقيين الذين يدفعون الناقد إلى قفصه وحيداً، بالقرب من النقاد وأحياناً مختلطين في صفوفهم يوجد المعلقون العالمون بالموسيقى والمحللون، ينغمسون سلاحاً وعدّة في الغابات المظلمة للمغامرة التحليلية، للأسف إن أدوات لغتهم تنغلق عليهم وبالتالي لا تستطيع اللحاق بهم إلاّ برادار الحدس.
العلاقة بدرويش

هل حقا صار الكون "ورد أقل” و”حب أقل” و”قبل أقل” بغياب محمود درويش؟، سألت مارسيل أن يحدثنا عن علاقته مع هذا الشاعر فقال "صدى تلك الأيام العابرة مع صديقي محمود درويش مازال يحلّق بي على غيمة بيضاء في بيروت في القاهرة في باريس في دمشق في الجزائر في تونس في الرباط في عمان في نيويورك، وفي الطريق إلى القدس، في الزهرة الطالعة من جرح الصخرة، في الجلسة، في السهرة، في ليلة رأس السنة، في الفندق، في المطعم، في المقهى، في الساحة، في القطار، في الباخرة، في الطائرة، في الباص، في السيارة، في كل شيء، كل شيء، كل شيء، أتنهد من أعماقي والأرض تتسع وتدور وأدور معها كغريب بدونك يا محمود، كم مرة قطعناها سوية كطير الحمام في يومين، نتبادل الحنين الذي لا يفسر من خلال دمع الغيب، نشربه حتى الثمالة، ما أجملك وأنت تعلو بالشعر وبالحب ولا تستكين، وليس لك إلاّ الريح تسكنها، تدمنها، تتنفسها، أتذكر عودتنا ذات مساء من جنوبي الجنوب، تقاسمنا الطريق وقطيع الماعز الذاهب إلى حظيرته يخفي ثغاءً مبحوحاً من فرط وطأة المساء وكانت الطريق مفتوحة على القرى الممتدة قلت لي يومها: ما أجمل هذه البلاد وهؤلاء الناس الطيبين يحلمون بصياغة الحياة ولا يتوبون عن أحلامهم؛ يعشقون ولا يأبهون بخسارة غدهم، أعلن انتمائي إلى جهاتهم.


رامي مارسيل خليفة يواصل ما بدأه الوالد

هل يولد الإبداع الحقيقي من رحم القمع والسجون والأغلال وتحت ضغط الديكتاتورية، أم يولد من نسمات الحرية؟ مارسيل يرى أن الثقافة لا تكون إلاّ متى كانت حرية، الحرية للثقافة شرط وجود أوهي بهذه المثابة، ومن ليس حراًّ دونه ودون الإبداع الثقافي مساحة الفراغ الذي لا يحد، وحيث لا تكون حرية، يمكن للثقافة أن تكون أي شيء آخر غير أنها ثقافة، يمكنها أن تتحوّل إلى إيديولوجيا دعائية، إلى خطاب متلعثم يغمغم بمفردات غامضة وتبريرية، إلى فولكلور للزينة، إلى أي شيء تفتقر فيه إلى ما يجعلها ثقافة تعبّر وتبوح، تكشف المخبوء وتهتك المستور، وتؤدي وظيفتها الإنسانية والاجتماعية والجمالية، الحرية للمثقف كالفضاء الفسيح للطائر، كالماء للسمكة، كالتربة الخصبة للمزارع، وليس صحيحاً أن قليلاً من الحرية خليق بأن يصنع مثقفاً أو مبدعاً، فالحرية لا تقاس بالمقادير ولا تخضع للتكميم الحسابي-من الكم- ففي تقييدها بالحدود حط وزراية بمعناها، وكما أن الطائر لا يملك أن يحلق في القفص، والسمكة لا تملك أن تسبح في زجاجة الزينة المنزلية، والمزارع لا يملك أن يزرع في الرمل، كذلك لا يكون في وسع المبدع المحجوز بأصفاد المنع والمتمتّع بشبه حرية أن يبدع بالمعنى الحقيقي للإبداع، المعنى الوحيد له، كانطلاق حر نحو إعادة بناء كل الأشياء والرموز والمعاني والعلاقات، للثقافة والإبداع تجربة مريرة مع السلطة، جميع أنواع السلطة، تختصر محنة الحرية في تاريخها.
 الإبداع في عرف كل سلطة تطاول على الموروث، والمتعارف عليه والمشهور بين الناس، في العقائد والاعتقادات والتقاليد والقيم والأخلاق العامة، هو في هذه الحال، أشبه ما يكون بالبدعة، وهي موطن الذّم والقدح والاستنساخ عند حراس الموروث العقدي والأخلاقي، البدعة خروج عن الأصالة ومروق والإبداع صنوها في ذلك المروق، منظوراً إليه كتحرّر من سلطان السائد والموروث، هل هي محض مصادفة في اللسان العربي أن تتشابه البدعة والإبداع لفظاً وأن تشتقا من الجذر اللغوي نفسه، أم أن وراء التشابه بعض تماه في المعنى والدلالة لدى حراس الموروث والسائد والمقدس.

يواجه المثقفون والمبدعون ثلاثة أنواع من السلطات متظافرة الأهداف، وإن اختلفت في التكوين والمجال؛ السلطة السياسية، والسلطة الدينية، والسلطة الاجتماعية، يقوم على كل سلطة سدنة وكهان وإكليروس سياسي وأخلاقي يتعهد مقدساته السياسية والدينية والاجتماعية بالصيانة والحماية من المتمردين عليها، المتطاولين بالإبداع والنقد على مقامها الحرام، الجامع بين سدنة المقدس هؤلاء هو التحريم، تحريم الجديد والمستجد، والرأي المخالف، والنقد والسؤال، وكل ما يشتبه في أنه ينتهك محرمات السياسة والقانون والأخلاق والقيم والمثيولوجيا التي تعيش منها، وتتعيّش على امتيازاتها، طبقات طفيلية ريعية من رجال الدولة والدين والنظام الاجتماعي التقليدي.
عبد المجيد دقنيش  - عن العرب اللندنية
    


تعليقات        (اضف تعليق)

* الاسم الكامل
البريد الالكتروني
الحماية
* كود الحماية
البلد
هام جدا ادارة الموقع تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
مسؤولية التعقيب تقع على عاتق المعقبين انفسهم فقط
يمنع ادخال اي مضامين فيها اي تجاوز على قانون منع القذف والتشهير او اي قانون آخر
فيديو عبلين |  اخبار عبلين |  دليل عبلين |  عن عبلين |  العاب اونلاين |  للنشر والاعلان |  من نحن |  اتصل بنا | 
Online Users
Copyright © ibillin.com 2007-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع عبلين اون لاين
Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com